من إعداد : محمد التجاني
باحث بسلك الدكتوراة قانون عام ،مختبر الدراسات القانونية والسياسية لدول البحر الأبيض المتوسط ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،وجدة ، المغرب



مقدمة

إن فكرة إنشاء محكمة دولية للعدل عرضت ونوقشت في مؤتمر لاهاي 1899 و1907 إذ كانت آنذاك محاولات لإنشاء محكمة دولية ما فتئت أن باءت بالفشل، وبعد الحرب العالمية الأولى وقع تدارس الفكرة من جديد أثناء مؤتمر السلم المنعقد في باريس فتم إنشاء المحكمة، وسميت المحكمة الدولية الدائمة للعدل.
وانطلاقا من مبدا تكريس الأمن والاستقرار خصوصا بعد أحداث الحرب العالمية الثانية المروعة، تنبه المجتمع الدولي إلى ضرورة ايجاد محاكم دولية للفصل في النزاعات الدولية، فتأسست منظمة الأمم المتحدة ونص ميثاقها على إيجاد جهاز قضائي سمي بمحكمة العدل الدولية وجعل مقرها لاهاي، وقد أسست المحكمة الجديدة على نفس الأسس التي كانت تقوم عليها المحكمة الدائمة العدل في عهد العصبة .
وتنص المادة 92 من ميثاق الأمم المتحدة على “أن محكمة العدل الدولية تشكل الجهاز القضائي الرئيسي للمنظمة والنظام الأساسي للمحكمة يكون جزءا لا يتجزأ من ميثاق الأمم المتحدة”. فكل دولة تنظم إلى منظمة الأمم المتحدة تصبح بذلك طرفا موقعا على النظام الأساسي للمحكمة، وعلى الدول غير المنظمة أن توقع على هذا الأخير وتتعهد بما جاء فيه من التزامات.
وتأسيسا على ما سبق يمكن طرح التساؤلات الآتية :
كيف تتشكل هذه المحكمة؟ وما هي الأطراف التي يحق لها التقاضي أمامها؟ والإجراءات التي تتبعها المحكمة ؟ وما هي اختصاصاتها؟
من هنا يمكن تناول الموضوع من خلال تقسيمه إلى مبحثين:
المبحث الأول :ماهية المحكمة ،ولايتها، والإجراءات أمامها
المطلب الأول :ماهية المحكمة وولايتها
المطلب الثاني: الإجراءات أمام المحكمة
المبحث الثاني:اختصاصات المحكمة
المطلب الأول: الاختصاص القضائي ونماذجه
المطلب الثاني: الاختصاص الاستشاري للمحكمة ونماذج لبعض القضايا .

المبحث الأول : ماهية المحكمة ، ولايتها، والإجراءات أمامها
سنتناول في هذا المبحث ماهية محمكمة العدل الدولية وتكوينها واختصاصاتها والإجراءات المتبعة لرفع الدعوى أمامها
المطلب الأول ماهية المحكمة وولايتها
إن الحديث عن ماهية المحكمة يقتضي تناول نشأتها وتكوينها (الفرع الأول) و ولايتها (الفرع الثاني)

الفرع الأول: النشأة والتكوين
كان إنشاء محكمة العدل الدولية تتويجا لعملية طويلة تم أثناءها تطوير طرق تسوية المنازعات الدولية بالوسائل السلمية تدريجيا، وقد أنشئت بموجب المعاهدة الأممية الموقعة في 26 يونيو 1945 بمؤتمر “سان فرانسيسكو” لتحقق أحد الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة، وهو اللجوء إلى الوسائل السلمية من أجل حل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم – وتسويتها. وانطلقت اعمال المحكمة في العام الموالي لإنشائها.
وتمثل محكمة العدل الدولية التي يقع مقرها في “لاهاي” بهولندا اعلى ما توصلت إليه الإنسانية في مجال القانون الدولي، على خلاف المحاكم الأخرى – فهي مدعومة من أغلب دول العالم الأعضاء في المنظمة الأممية، والوحيدة التي يوجد مقرها خارج نيويورك وقد أنشئت من اجل مهمتين: الأولى حل المنازعات المختلفة بين الدول، والثانية مهمة استشارية عن طريق إصدار الفتاوى القانونية للدول والمنظمات الأممية على الإشكالات القانونية التي تعترضها.


وتتكون المحكمة من 15 قاضيا يراعى في اختيارهم اعتبارات شخصية، نظرا لوجةب توفرهم على كفاءات ومواصفات معينة، ويتمتعون بأخلاق ونزاهة وحياد والأصل أن هؤلاء القضاة لا يمثلون دولهم، كما أنه لا يجوز لهم وفقا لنص المادة الثانية من النظام الأساسي أن يتولوا وظائف سياسية أو إدارية، كما لا يجوز لهم الاشتغال في أية مهنة أخرى. وينتخبون لمدة تسع سنوات قابلة للتجديد ، وذلك بواسطة الجمعية العامة ومجلس الأمن من قائمة يعدها الأمين العام تحتوي على مرشحي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويجري التصويت داخلها بالأغلبية العادية وبصورة منفصلة في كل من الجمعية والمجلس الذي لا يفرق بين الأعضاء الدائمين والأعضاء غير الدائمين، ويراعى في الانتخاب تمثيل القضاة للمدنيات الكبرى والنظم القانونية الرئيسية في العالم.

الفرع الثاني: ولاية المحكمة
للمحكمة ولاية على الأطراف المتنازعة ولاية إجبارية و اختيارية :
الولاية الاختيارية: وهي القاعدة العامة القائمة على اتفاق الأطراف المتنازعة جميعا بإحالة النزاع على المحكمة، والدول هي التي تقرر إحالة منازعتها على محكمة العدل الدولية من عدمه ، وهذا من الأسباب التي لم تخول للمحكمة المكانة المطلوبة في تسوية المنازعات الدولية.

الولاية الجبرية: تتمتع محكمة العدل الدولية بولاية جبرية بالنظر في المنازعات الدولية بناءا على طلب أحد أطراف النزاع في الحالات التالية:
• إذا اتفقت الدول بموجب معاهدة دولية على إحالة المنازعات التي تنشا عن تطبيق المعاهدة على محكمة العدل الدولية.
• إذا اتفقت الدول المتنازعة بإحالة نزاعها على محكمة العدل الدولية و اتفاقيات الوصايا والاتفاقيات الخاصة بإنشاء المنظمات الدولية المتخصصة التي تنص على إحالة النزاعات الناشئة عن هذه الاتفاقيات على محكمة العدل الدولية
• إذا نشا نزاع بين دولتين حول ولاية محكمة العدل الدولية.
• إذا ورد في اتفاقية دولية تعقد بإشراف الأمم المتحدة على الولاية الإلزامية المحكمة العدل الدولية

المطلب الثاني : الإجراءات أمام المحكمة والقانون الواجب التطبيق
ترفع الدعوى وفق إجراءات محددة (الفرع الأول ) قبل النطق بالحكم وتطبيق القانون (الفرع الثاني)

الفرع الأول : الإجراءات أمام المحكمة والحكم
ترفع الدعوى أمام المحكمة إما بإبلاغ اتفاق إحالة النزاع إليها عن طريق مسجل المحكمة في حالة ما يكان اختصاصها اختياريا، وإما بطلب كتابي يرسل إليها في حالة ما إذا كان اللجوء مبنيا على تصريحات بقبول الولاية الجبرية للمحكمة، وفي الحالتين معا يجب أن يتضمن الاتفاق أو الطلب تحديدا لموضوع النزاع وبيانا للأطراف المتنازعة، وعلى المسجل أن يعلن هذا الطلب لذوي الشأن كما يخطر به أعضاء الأمم المتحدة عن طريق الأمين العام، وكذلك أي دولة أخرى لها حق الحضور امام المحكمة ويمثل أطراف النزاع وكلاء عنهم، مع إمكانية الاستعانة بالمستشارين أو بالمحاميين الذين يتمتعون بالمزايا والإعفاءات لأداء مهامهم بحرية واستقلال، وللمحكمة الاستعانة بالخبراء و أن تعهد لفرد أو جماعة أو هيئة أو لجنة بممارسة التحقيق .

وتنقسم الإجراءات أمام المحكمة إلى قسمين :
الإجراءات الكتابية : وتشمل كل ما يقدمه الخصوم للمحكمة من المذكرات والإجابات وكل المستندات والأوراق المؤيدة للقضية، وتقدم هذه الأخيرة بواسطة المسجل بالكيفية والمواعيد التي تقررها المحكمة.
الإجراءات الشفوية : وتشمل الاستماع للشهود والخبراء والوكلاء والمحامين، وللمحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة.
وبعد انتهاء الإجراءات تتداول المحكمة في جلسات سرية وتصوت بالأغلبية وعند تساوي الأصوات يرجح جانب الرئيس أو من يحل محله وإذا كان الحكم كله أو بعضه غير صادر بالإجماع، فلكل قاض إصدار بيان مستقل يوضح فيه رايه المخالف للأغلبية ونفس الشيء بالنسبة للقاضي المؤيد للحكم وترفق بحكم المحكمة ويوقع الحكم رئيس المحكمة والمسجل ويتلى في جلسة علنية بعد إخطار الوكلاء إخطارا صحيحا.
وحكم المحكمة نهائي لا يقبل الاستئناف ويمكن الرجوع للمحكمة لتفسير بنوده ولا يلتمس إعادة النظر إلا إذا اكتشفت واقعة حاسمة قد تغير مجرى الحكم، والذي يعتبر حجة تجاه الأطراف وفي موضوع النزاع فقط وعلى اعضاء الأمم المتحدة تنفيذ حكم المحكمة، وللدول اللجوء إلى مجلس الأمن لإلزام الطرف الآخر بتنفيذه.
ويصدر الحكم بإحدى اللغات الرسمية لها الفرنسية أوالانجليزية باتفاق الأطراف وإلا باللغتين معا.

الفرع الثاني : القانون الواجب التطبيق
تنص المادة 38 من النظام الأساسي على ما يلي:
وظيفة المحكمة أن تفصل في المنازعات التي ترفع إليها وفقا لأحكام القانون الدولي وهي تطبق في هذا الشأن:
أ- الاتفاقيات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترف بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
ب- العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
ج- مبادیء القانون التي أقرتها الأمم المتمدنة .
د- أحكام المحاكم ومذاهب كبار الفقهاء في القانون العام ، ويعتبر هذا مصدرا احتياطيا لقواعد القانون وذلك مع الأخذ بعين الاعتبار احكام المادة “59”
د- لا يترتب على النص المتقدم ذكره أي إخلال بما للمحكمة من سلطة الفصل في القضية وفقا لمبادئ العدل والإنصاف متى وافق أطراف الدعوى على ذلك.
ومن أمثلة الاتفاقيات الدولية العامة ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات 1969
ومن الاتفاقيات الدولية الخاصة الاتفاقية المنظمة لمياه النيل بين مصر والسودان 1959
وفي العرف مثلا، حكم المحكمة في القضية الخاصة باحكام المحكمة الإدارية لمنظمة العمل الدولية ل1956 حيث استندت المحكمة إلى العرف الداخلي لليونسكو والأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة للتمييز بين عقود العمل .

المبحث الثاني: اختصاصات المحكمة
للمحكمة اختصاصين أحدهما قضائي وهذا ما ستطرق إليه من خلال ( المطلب الأول ) والأخر استشاري نخصص له (المطلب الثاني)
المطلب الأول: الاختصاص القضائي ونماذجه
الفرع الأول الاختصاص القضائي
يمكن تحديد الاختصاص القضائي من زاويتين:
أطراف الدعوى : ينص الفصل 34 من النظام الأساسي للمحكمة على أنه ” للدول وحدها الحق في أن تكون أطرافا في الدعاوى التي ترفع أمام المحكمة” وهذا يعني إقصاء الأفراد والمنظمات الدولية من هذا الحق.
والدول الأعضاء في الأمم المتحدة تصبح تلقائيا اعضاءا في المحكمة، وللدول حق التقاضي ولو لم تكن اعضاءا في الأمم المتحدة، وفق الشروط التي تحددها الجمعية العامة لكل حالة على حدة بناءا على توصية مجلس الأمن. ويحق للدول ولو لم تكن لها العضويتين التقاضي أمام المحكمة وفق الشروط التي يضعها مجلس الأمن حسب المادة 36 من النظام الأساسي للمحكمة
موضوع الدعوي:
يتحدد موضوع الدعوى بحسب المسائل التي يقوم المتقاضون بعرضها على المحكمة، فالأصل أن اختصاص المحكمة ذي طبيعة اختيارية.
ويري بعض الفقه الاختصاص الإلزامي للمحكمة في بعض المسائل، كتفسير المعاهدات الدولية او اي مسألة من مسائل القانون الدولي أو تحقيق واقعة ثبت أنها شكلت خرقا لالتزام دولي، لكن هذا الاختصاص ليس إلزاميا خالصا لأنه مرهون بقبول الدول.
وقد ذهبت المحكمة إلى أن اختصاصها المتعلق باتخاذ تدابير تحفظية استنادا إلى ما تتيحه لها المادة 41 من نظامها الأساسي يعد اختصاصا أصيلا مستقلا عن اختصاصها بنظر في موضوع الدعوى بحيث يمكن لها أن تأمر باتخاذ مثل هذه التدابير دون أن يتوقف ذلك على تأكدها من ولايتها بالنظر في الدعوى، بل وقبل التصدي لبحث الولاية أصلا.
أما بخصوص التدخل في الدعوى أمام المحكمة فهو نوعان:
التدخل التخييري إذ حسب المادة 62 من النظام الأساسي يجوز للدول طلب المحكمة بالتدخل في القضية إذا رأت أن مصلحتها تستدعي ذلك، وان الحكم في القضية قد يكون ذا جدوى .
التدخل التفسيري وقد نصت عليه المادة 63 حيث إذا كانت المسألة المعروضة أمام المحكمة تتعلق بتأويل
اتفاقية بعض اطرافها دول ليست أطرافا في القضية يخطرهم المسجل دون تأخير، ولكل 10دولة إخطار المحكمة بتدخلها على أساس أنها تلزم الدولة أيضا بالحكم الصادر بشان التفسير المطلوب .




الفرع الثاني: نماذج للاختصاص القضائي للمحكمة
طلبت اليونان من المحكمة اتخاذ تدابير موقتة تمتنع بموجبها اليونان وتركيا – ما لم توافق الدولة الأخرى وريثما يصدر القرار النهائي عن الاستكشاف وعن التدابير العسكرية القائمة ، ودفعت تركيا بعدم اختصاص المحكمة مقترحة رفض الطلب وشطب القضية من القائمة وقد بررت اليونان طلبها بأن أنشطة تركيا تعتبر إعتداء على الحقوق السيادية لليونان مما يشكل ضرر لا يمكن إصلاحه وأن هذه الأنشطة قد تزيد حدة النزاع، ودفعت تركيا أن ما تفعله لا يمس بوجود حق من حقوق اليونان في المنطقة المتنازع عليها وأنه حتى لو امكن ذلك فيمكن التعويض عما يلحقها من أضرار، وأنه ليس في نية تركيا المبادرة في استعمال القوة
وقد رأت المحكمة بأن الأمر لا يصل إلى ضرر لا يمكن إصلاحه وأنه يجب عدم الافتراض بأن أيا من الحكومتين سوف تمتنع عن التقيد بالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة أو تمتنع عن الإمتثال لأحكام وقرارات مجلس الأمن الذي حث الحكومتين على بذل الجهود لخفض التوتر واستئناف المفاوضات
وفي 1978/12/19 أصدرت المحكمة قرارا في مسألة ولايتها في القضية المتعلقة بالجرف القاري في بحر إيجة باغلبية أصوات 12 مقابل 2 على أنه لا ولاية للمحكمة في النظر في الطلب الذي قدمته اليونان.

وفي قضية أخرى متعلقة بتيمور الشرقية (البرتغال ضد استراليا ) 1995/06/30 قررت المحكمة و باغلبية 14 صوتا مقابل 2 أنها لا تستطيع في هذه القضية ممارسة الولاية القضائية الموكلة إليها
بسبب التصريحات الصادرة عن الطرفين وبموجب الفقرة 2 من المادة 36 من نظامها الأساسي التوصل للفصل في النزاع الذي أحيل إليها بخصوص الطلب المقدم من البرتغال .

المطلب الثاني: الاختصاص الاستشاري ونماذجه
الفرع الأول: الاختصاص الاستشاري
إلى جانب اختصاصها القضائي، فإن لمحكمة العدل الدولية اختصاص إفتائي حيث لا تحكم في
نزاع ما بقدر ما تعطي استشارة غير ملزمة قانونيا – بتقديم المساعدات وتوضيح المبادى المقررة بشان ما يعرض عليها .
وتدخل الفتاوى في إطار النشاط ذي الطابع الاستشاري الذي تمارسه الأمم المتحدة بواسطة محكمة العدل الدولية، لأن هذه الأخيرة تفصح عن رأي القانون بصدد نزاع معين وبشان وجهات النظر المتعارضة
ولقد تطرق كل من ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي للمحكمة لهذه الوظيفة الإفتائية فالميثاق ينص في المادة 1/96 على أنه لأي من الجمعية العامة أو مجلس الأمن أن يطلب إلى محكمة العدل الدولية الفتوى في أية مسالة قانونية، وهذا الحق ممنوح لكل فروع هياة الأمم المتحدة والوكالات المتخصصة المرتبطة بها ممن يجوز أن تأذن له الجمعية العامة بذلك في أي وقت حسب نفس المادة في فقرتها الثانية .
أما النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية فينص في المادة 65 على أنه: ” للمحكمة أن تفتي في أية مسألة قانونية بناءا على طلب أية هياة رخص لها ميثاق الأمم المتحدة باستفتائها أو حصل الترخيص لها بذلك طبقا لأحكام الميثاق المذكور”.
ويلاحظ أن الصيغة التي جاء بها النظام الأساسي للمحكمة ” للمحكمة أن تفتي ” قد توحي بأن المحكمة لها سلطة تقديرية في أن تقدم الفتوى أو لا تقدمها على اعتبار أن النص لم يلزم المحكمة بتقديم الفتوى التي تطلب منها وإنما استعمل صيغة جوازية، لكن هذه العبارة يجب أن تفسر على ضوء روح الميثاق، وما يستلزم من ضرورة التعاون التام بين أجهزة الأمم المتحدة وما يقتضيه ذلك من ضرورة استجابة المحكمة لما يطلب منها من فتاوی بشان المسائل القانونية التي تعرض على أجهزة الأمم المتحدة
وعموما تعرض الموضوعات المطلوب الفتوى بشأنها على أنظار المحكمة في شكل طلب كتابي يتضمن بيانا دقيقا للمسألة المستفتى بشأنها وترفق به كل المستندات التي قد تعين على تجليتها
انطلاقا مما سبق يتضح أن الجمعية العامة ومجلس الأمن لهما اختصاص أصيل في طلب الرأي الاستشاري لكن ممارسة هذا الحق بالنسبة لباقي الأجهزة الرئيسية الأخرى، وكذلك الوكالات المتخصصة والأجهزة الفرعية معلق على صدور إذن لها بذلك من الجمعية العامة
وهذا يعني أنه ليس للأفراد ولا الدول حق طلب الراي الاستشاري .
وإذا كانت الدعاوى التي تنظر فيها المحكمة ما اتفقت الأطراف على عرضه، فإنه بموجب المادة 96 فالمسائل القانونية فقط هي الأمور الجائز عرضها على المحكمة لتقديم فتواها فيها، ويتعلق الأمر عمليا بتفسير نصوص المعاهدات الدولية بما فيها الميثاق .
والرأي الذي تقدمه المحكمة لا حجية له أمام من طلبه ولا يلزمها لاحقا فيما يعرض عليها

الفرع الثاني :نماذج للآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية
يمكن سياق عدة أمثلة ومن ذلك:
• إحالة الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 نونبر 1949 فتوى حول أهليتها لقبول دولة في الأمم المتحدة إلى المحكمة متجاوزة مجلس الأمن، أي تطلب تفسير م2/4 من الميثاق الذي يربط دور الجمعية العامة بتوصية مجلس الأمن فقررت المحكمة أنه ليس هناك ما يعطي الجمعية العامة السلطة لتغيير معنى تصويت مجلس الأمن إلى حد إبطال التصويت
• سنة 1975 قررت المحكمة في فتواها التي طلبتها الجمعية العامة بشان مسألتين تتعلقان بالصحراء المغربية
حيث صوتت المحكمة و باغلبية 13 صوتا مقابل 3:فيما يتعلق بالمسألة الأولى، وهي هل كانت الصحراء
“المغربية” (وادي الذهب والساقية الحمراء) وقت الاستعمار الاسباني ارض خلاء لا مالك لها.
فكان رأي المحكمة بالإجماع أن الصحراء لم تكن كذلك .
وباغلبية 14 صوتا مقابل صوتين فيما يتعلق بالمسألة الثانية، وهي حول تبيان الروابط القانونية التي كانت تجمع بين هذا الإقليم والمملكة المغربية والكيان الموريتاني رفضت المحكمة الاستجابة لطلب الفتوى. 24
• بتاريخ 2003/10/21 قامت المجموعة العربية في منظمة الأمم المتحدة باستصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يطلب رأي محكمة العدل الدولية في الجدار العازل الذي بنته “إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية فأدلت المحكمة برأيها الاستشاري في 2004/07/09 الذي أكد مخالفة هذا الجدار لقواعد القانون الدولي وضرورة إزالة ما تم بناؤه، وتعويض الفلسطينيين عما لحقهم من أضراره















خاتمة :

من خلال ما سبق، يمكن اللجوء لمحكمة العدل الدولية لحل المنازعات الدولية واستصدار الآراء الاستشارية مطبقة في ذلك قواعد إجرائية وموضوعية لا دخل للأطراف فيها وباعتبارها جهاز قضائي دائم، فالمحكمة منذ إنشائها لعبت دورا مهما في تجاوز الخلافات الدولية في مجموعة من القضايا العالقة بين الدول، وكذا إعطاء مجموعة من الآراء الاستشارية وإزالة الغموض عن النصوص الاتفاقية.
وقد ساهمت المحكمة في إرساء وتبيان مجموعة من قواعد القانون الدولي وتطويرها . لكن أغلب النزاعات التي تنظر فيها المحكمة بعيدة عن المشاكل الدولية الكبرى، علما أن هذه المحكمة لا تحظى بثقة الشعوب التي تنظر إليها على أنها محكمة عدل غربية وليست دولية خصوصا وانها كثيرا ما تتدخل في أحكامها اعتبارات سياسية بعيدا عن القانون، مما يستوجب إعادة النظر في القواعد المنظمة لوظيفتها خاصة في مضمون اختصاصها، وتوسيع سلطتها الإلزامية وعدم ربطها بإرادة الدول.













لائحة المراجع

الكتب:
 محمد السعيد الدقاق-مصطفى سلامة حسن، المنظمات الدولية المعاصرة، منشأة المعارف، الاسكندرية ،1994.
 محمد المجذوب، في المنظمات الدولية والإقليمية، الدار الجامعية للطباعة والنشر،بيروت ، 1983.
 سهيل حسين الفتلاوي، المنظمات الدولية، دار الفكر العربي ، مصر ، 2004.
 علي صادق أبو هيف، القانون الدولي العام الأصول والمبادئ، الطبعة ، 11منشأة المعارف،الإسكندرية 2015.
 أحمد أبو الوفا، الوسيط في قانون المنظمات الدولية، الطبعة 4 ،دار النهضة العربية،.1992
 ابراهيم محمد العناني، التنظيم الدولي: النظرية العامة، الأمم المتحدة، طبعة 1975 دار الفكر العربي،.
 محمد سعيد الدقاق ، دروس في التنظيم الدولي، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1976.
 محمد السعيد الدقاق،حول سلطة محكمة العدل الدولية في اتخاذ تدابير تحفظية، طبعة 1977،المطبوعات الجامعية، الإسكندرية.
 عبد الغني محمود، التدخل في الدعوى أمام محكمة العدل الدولية، الطبعة 1، دار النهضة العربية، 1998.
 محمد السعيد الدقاق، التنظيم الدولي، الدار الجامعية، بيروت،1988 .
 احمد حسن الرشيدي، الوظيفة الإفتائية لمحكمة العدل الدولية ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993.
 احمد ابو الوفا القانون الدولي والعلاقات الدولية دار النهضة العربية، عمان، 2006



المنشورات :

 منشورات الأمم المتحدة ، فتاوی محكمة العدل الدولية 1992-1996 ، ص . 93 محملة من موقع المحكمة ،
 http://www.icj-cij.org 01/06/2010،
 منشورات الأمم المتحدة موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة عن محكمة العدل الدولية 1948-1991 ، محملة من موقع المحكمة .01/06/2010 ، http://www.icj-cij.org

المواقع الإلكترونية
 www.un.org -01/06/2010
 www.icj-cij.org – 01/06/2010

Leave a Reply

Discover more from السياسية

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading