Alsiyasia

المنظمات الدولية :الماهية والأدوار وسؤال الفعالية

الأمم المتحدة, الأمن والسلم الدولي, الحكومية, الدول, المنظمات الدولية, منظمة العمل الدولية


من إعداد محمد التجاني باحث بسلك الدكتوراة في القانون العام الكلية متعددة التخصصات الناظور ،مخبر الدراسات القانونية والسياسية لدول البحر الأبيض المتوسط

مقدمة
تعتبر المنظمات الدولية من ابرز الظواهر التي طبعت مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية في القرن العشرين فإلى جانب نشأة الدولة الحديثة في القرن السادس عشر وإلى حدود نشوء المنظمات الدولية، كان المجتمع الدولي مجتمع دول فقط (دول أوربية خاصة) لذا تكمن أهمية ظاهرة المنظمات الدولية في كونها قامات كأشخاص جديدة في القانون الدولي كما جاءت كشكل جديد للتنظيم السياسي للمجتمع الدولي يضاهي إلى حد كبير أهمية الدول.


ففي سنة 1945، نشأت هيئة الأمم المتحدة بنيويورك كأول منظمة دولية في شكلها المكتمل (بعد فشل عصبة الأمم)، وقد أعقبتها نشوء أهم المنظمات الدولية والمالية والاقتصادية، وأيضا عدد من المنظمات الجهوية وقد جاء ذلك على إثر التطورات الكبرى التي عرفها المجتمع الدولي سواء بسبب الحربين العالميتين أو بسبب التطورات الاقتصادية، كما كان نتيجة وعي الدول المتزايد بضرورة العمل الدولي في مجالاته المختلفة .
وهكذا نتج عن ظاهرة المنظمات الدولية شكل جديد للعلاقات الدولية وذلك من خلال الإطار الكبير الذي خلقته تلك المنظمات للعلاقات الدائمة بين الدول ومانتج عن ذلك من انفتاح للدول على المجتمع الدولي بعدما كانت تعمل في إطار منغلق للعلاقات فيما بينها.


مع كل ذلك فالمنظمات الدولية هي عبارة عن تجمع لدول ذات سيادة وذلك بموجب معاهدة أو اتفاق دولي متعدد الأطراف، وينتج عن ذلك علاقات القوة التي تطبع المجتمع الدولي والتي تحول دون الاستقلال الفعلي للعديد من المنظمات الدولية.
وللمنظمات الدولية كيان دائم ومستمر، وهي تملك شخصية قانونية مستقلة بمعنى الإرادة الذاتية المستقلة عن إرادة أعضائها، مما يجعلنا نتساءل عن الطبيعة القانونية للمنظمات الدولية والمهام المنوطة بها مع إبراز أهدافها؟ والى أي حد استطاعت هذه المنظمات الحفاظ على العلاقات البين دولية والسلم والأمن الدوليين؟


وعليه سيتم تناول هذه الدراسة وفق ما يلي :
المبحث الأول: ماهية المنظمات الدولية المطلب الأول: تعريف المنظمات الدولية وإطارها العام
المطلب الثاني: من بوادر الظهور إلى بلورة جديدة
المبحث الثاني: المنظمات الدولية، إطار العمل وفاعلية الأداء
المطلب الأول: المنظمات الدولية الأهداف و المهام
المطلب الثاني: فاعلية المنظمات الدولية
خـاتمـة
المبحث الأول: ماهية المنظمات الدولية
إذا كانت الدول هي الأشخاص الرئيسية في العلاقات الدولية فان المنظمات الدولية هي هيئات تقوم على أساس اتفاقي بين مجموعة من الدول المستقلة ذات السيادة، مما يحتم الحديث في (المطلب الأول) عن تعريف المنظمات الدولية وخصائصها كما سنتحدث في (المطلب الثاني) عن بوادر ظهور المنظمات الدولية وبلورتها في صيغ جديدة.

المطلب الأول: تعريف المنظمات الدولية وإطارها العام
المنظمات الدولية ( هيئة تضم مجموعة من الدول , من خلال اتفاق دولى , يهدف إلى السعى لتحقيق أغراض و مصالح مشتركة , على نحو دائم , و تتمتع هذه الهيئات بالشخصية القانونية و الذاتية المتميزة عن الدول الأعضاء فيها .
وتعتبر المنظمات الدولية كشخص يتم اشتقاقه ،لذا لاتوجد المنظمة إلا من خلال معاهدة متعددة الأطراف هي شهادة ميلاد المنظمة، ولهذا فلابد من وجود مبادرة إنشاء المنظمة من الخارج وقبل وجودها ويكون ذلك من خلال إعداد مشروع ميثاق المنظمة عن طريق مؤتمر دولي أو بواسطة منظمة دولية قائمة بدعوة مجموعة من الدول إلى مؤتمر الإنشاء .
1- مفهوم المنظمات الدولية:
عرف المنظمات الدولية “شارل روسو” حيث اعتبرها: “عبارة عن تجمعات من الدول تنشئها الاتفاقيات الدولية، لتحقيق أهداف مشتركة بواسطة أجهزة خاصة بها، كما أنها لها إرادة مستقلة قانونيا عن إرادة الدول الأعضاء وأسمى منها”، نستنتج من هذا التعريف انه أعطى اهتماما لإرادة المنظمات الدولية من الناحية القانونية ويؤكد على التطور استقلاليتها عن إرادة الدول، بل لتصبح أسمى من هذه الإرادة، كما عرفها الدكتور “محمد مرشحة” أنها “هيئات ذات شخصية قانونية دولية، وذات أجهزة دائمة وإرادة مستقلة تنشأ باتفاق دولي لتحقيق أهداف معينة” .
من هنا نستخلص أن المنظمة الدولية تتصف بالملامح الأساسية التالية :
أنها تجمع يتألف من دول وليس أفراد أو جماعات أخرى أي أنها تقوم بين الحكومات لتمييزها عن المنظمات غير الحكومية .
وينشؤها اتفاق دولي، أي يستند على اتفاق بين الدول وفق المبادئ العامة للقانون الدولي ويكون هذا بمثابة دستور للمنظمة
ولها أجهزة دائمة حتى تستطيع الاستمرار في تأدية وظائفها وتحقيق أغراضها كما أن المنظمات الدولية تتمتع بإرادة ذاتية وشخصية قانونية دولية أي تكون لها إرادة خاصة بها مستقلة عن إرادة الدول الأعضاء يؤهلها لعقد اتفاقيات .

و جدير بالإشارة إلى أن الفقه الدولى , لم يتفق أيضاً على تحديد العناصر المميزة للمنظمة الدولية ، فالبعض يرى أنها خمسة عناصر : الطابع الدولى , و الإدارة الذاتية ,و الاستمرار , الميثاق ,و تحقيق مجموعة من الأهداف والبعض الآخر يرى أنها أربعة : الصفة الدولية , اتحاد إدارات الدول , الاستمرار , الإرادة الذاتية و ذهب الدكتور محمد طلعت الغنيمي إلى القول بأن العنصرين الأساسين اللازمين لقيام المنظمة الدولية هما : الدوام والإرادة الذاتية

2- النظريات المؤطرة للمنظمات الدولية:
تعتبر النظرية الواقعية والنظرية المثالية من ابرز المفاهيم النظرية الكلاسيكية للعلاقات الدولية وقد تطورت و ظهرت منذ نشوء أولى المنظمات الدولية أي منذ قيام عصبة الأمم، وقد أفرزت كل من تلك النظريتين نظريات جديدة بحكم تطور الواقع الدولي ومعه المنظمات الدولية.
أ- النظرية الواقعية:
مفاد هذه النظرية أن الدولة هي العنصر الرئيسي في العلاقات الدولية وان تلك العلاقات يتحكم فيها عنصر القوة أي ظاهرة الصراع بين الدول ورهان الحرب والسلم وسعي الدول وراء السلطة حماية لمصالحها الوطنية وهي التي تتحكم في عملها في إطار المنظمات الدولية، وبذلك فعلاقات القوة والتنافس بين الدول تنعكس على المنظمات الدولية التي يبقى عملها بذلك مجرد انعكاس لعلاقات القوة تلك.
إذن وبما أن العلاقات الدولية هي علاقات نزاعية بطبيعتها فالفوضى هي القاعدة والدولة الأقوى هي التي تتمكن من السيطرة على الباقي وانه حتى في حالة فعالية المنظمات الدولية فان ذلك لايكون انعكاسا لجهود الدول الموحدة في إطارها، وإنما تكون المنظمة بمثابة جهاز مسخر لخدمة مصالح الدول المتضاربة أهوائها، وبالتالي بدل أن تحقق المنظمات الدولية مصلحة المجتمع الدولي يصبح وجودها لافائدة منه، لذا لو لم تكن مصالح الدول المتضاربة لما كان هناك فراغ وبالتالي لما كانت هناك ضرورة لوجود منظمات دولية .
ب- النظرية الوظيفية:
تبلورت النظرية الوظيفية بالموازاة مع النظرية الواقعية فهي تنطلق من فكرة الدولة، بل من حاجيات مواطنيها، لذا انطلق أصحاب هذه النظرية التي يتزعمها “ميتراني” إلى أن المصدر الرئيسي للنزاعات الدولية والذي يحول دون تعاون حقيقي بين الدول هو انقسام العالم إلى دول متشبثة بسيادتها في حين أنها غير قادرة على تلبية الحاجيات الاقتصادية والاجتماعية لشعوبها، لذا اعتبر ان إطار الدول ضيق عن حل هذه المشاكل و ينتج عن ذلك خلل في التوازنات الاقتصادية والاجتماعية ويكون سببا في قيام الحرب .
لقد وجهت لهذه النظرية عدة انتقادات أهمها أن الواقع الدولي يثبت عكس ماجاءت به النظرية الوظيفية على اعتبار أن التعاون في إطار المنظمات الدولية قد ازداد بشكل كبير لكن دون أن يرافقه استقرار في السياسية الدولية أو تجاوز للنزاعات التي ظلت تطغى على العلاقات الدولية.
ج- نظرية النظم:
لقد أدت التحولات الكبيرة التي عرفها المجتمع الدولي والنظام الدولي إلى البحث عن طرح جديد تمثل في جانب مهم منه بدراسة المنظمات الدولية ومدى قدرتها كنظام على مواجهة التحولات، وحسب المفهوم الليبرالي فالنظام هو تنظيم ذاتي جماعي أي مشاركة إرادية من جانب الدول وفاعلين دوليين آخرين في عمل جماعي يهدف لتحقيق كسب مشترك أو تفادي خسارة مشتركة في مواقف صعبة أو نزاعية، لقد انطلقت هذه النظرية – والتي هي شكل جديد للنظريات الواقعية -رغم تركيزها على دور القوى عبر الوطنية الذي يحد من حرية الدول من كون دور الدول يظل قائما.

3- تصنيف المنظمات الدولية:
إن معايير تصنيف المنظمات الدولية متعددة، ويرجع ذلك إلى أن المنظمات الدولية لم تنشا وفق شكل معين حدد سابقا وإنما نشأت استجابة لضروريات معينة وبالوسائل التي توفرت في وقت ما، الشيء الذي جعل تصنيفها جد معقد وسوف نتناول تصنيف المنظمات الدولية حسب ما اعتمده كبار فقهاء القانون الدولي، إما حسب العضوية أو الاختصاص أو السلطات.
أ- حسب العضوية:
يتم التمييز هنا بين المنظمات العالمية والتي تشمل كلما يتعلق بالعلاقات الدولية القائمة على السلم وحل المنازعات الدولية كافة ، فهي المنظمات التي تقوم في شكل يسمح بانضمام كل دول العالم وبتعاون كل الدول التي تشكل المجموعة الدولية كهيئة الأمم المتحدة مثلا بشرط أن تتوفر هذه الدول على سيادة.
ومن جهة ثانية المنظمات الجهوية أو ذات التوجه الإقليمي وهي التي تضم عدد محدود من الدول بينها مصالح مشتركة تقوم على أساس الموقع الجغرافي ولاتسمح إلا بانضمام وتعاون مجموعة محدودة من الدول، وتتميز بذلك وتسمى أيضا بالمنظمات المغلقة.
ب- حسب الاختصاص:
يمكن التمييز بين المنظمات ذات الاختصاص العام أي ذات وظائف شمولية غرضها كل مايتعلق بالعلاقات الدولية السلمية وحل المنازعات الدولية كافة، إلا أنه من الممكن إخراج اختصاص معين من جملة اختصاصاتها إذا نص ميثاقها على ذلك (مثل هيئة الأمم المتحدة ) ثم هناك منظمات ذات الاختصاص المحدد أي ذات وظائف محددة وهي التي تحدد مواثيقها مجالات معينة للتعاون كالمجال العسكري أو الاقتصادي أو الثقافي.
بالإضافة إلى وجود منظمات متخصصة بالقضايا الاجتماعية والإنسانية كالمهتمة بالصحة أو بالعجزة أو اللاجئين أو العمال أو بالحقوق الشخصية الإنسانية، ثم هناك نوع ثالث من المنظمات الدولية يصنف في مرتبة بين النوعين السابقين وهي المنظمات ذات الاختصاص المتنوع أي ذات الوظائف المتعددة مثل الاتحاد الأوربي.
لكن هذا التصنيف للمنظمات الدولية حسب الاختصاص هو تصنيف وصفي محض، فهو يثير بعض الإشكاليات ذات أبعاد سياسية لأنه قد ينتج عنه قيام صراعات بين أعضائها في الحالة التي لايحدد فيها الميثاق المنشئ للمنظمة هذه الاختصاصات بدقة. هكذا فالمنظمات ذات الاختصاص العام هي التي غالبا ماتواجه هذا النوع من الاشكاليات والتي تختلف عن تلك التي تواجهها المنظمات ذات الاختصاص المحدد إذ تكون عادة مشاكل تقنية.
ج- حسب السلطات:
يتم التمييز هنا بين “المنظمات بين الدول” و”المنظمات فوق الدول ” والتصنيف الذي يميز فيه البعض بين :المنظمات ذات هدف تعاوني” و”المنظمات ذات هدف اندماجي”.
فبالنسبة للأولى فهي تتميز بضعف سلطة اتخاذ القرار وبانضواء أعضائها في عدد من المنظمات أما بالنسبة للثانية فهي المنظمات التي لها سلطة اتخاذ القرار في مواجهة الدول الأعضاء تصل في بعض الحالات حتى التطبيق المباشر من طرف الأجهزة الداخلية للدول كما تأخذ بالأغلبية في اتخاذ القرارات.
وتجدر الإشارة إلى نسبية هذا المعيار لأن المنظمات “بين الدول” تسمو في بعض الأحيان على الدول الأعضاء كما هو الحال بالنسبة لمجلس الأمن الدولي، في حين أن المنظمات التي تقوم بهدف الاندماج قد تعمل فقط في إطار “بين الدول” كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوربي الذي لم يصل بعد مرحلة الاندماج النهائي.


المطلب الثاني: من بوادر الظهور إلى بلورة جديدة
ظهرت المنظمات الدولية في شكلها المكتمل في بداية القرن العشرين إلا أن حداثة التنظيم المؤسس للمجتمع الدولي لايعني غياب أي شكل من أشكال التنظيم سابقا وقد كان التطور في البداية بطيئا وصادفته صعوبات وعراقيل كثيرة، أما في العصر الحاضر فقد أصبح تطورها سريعا واخذ المجتمع الدولي يشهد ظهور منظمات متعددة وفي مجالات مختلفة حتى أن البعض يسمي هذا العصر بعصر التكتلات والمنظمات الدولية.

-1البوادر التاريخية منذ العصور القديمة والى العصور الحديثة:
لقد قامت الحضارات القديمة ونشأت في مواقع مختلفة وشاسعة وكانت غالبا ما تميل إلى العزلة والانغلاق بحيث لاتسعى للاتصال أو ربط العلاقات مع الخارج لترفعها عن كل ماهو أجنبي واحتقارها له ، لذا لم تكن هناك ضرورة ولاامكانية لتنظيم دولي، ذلك أن التنظيم لم يظهر إلا بشكل هامشي عندما تكون الوعي لدى بعض الوحدات السياسية بوجود مصالح مشتركة بينها، وهو مانجده في العصر اليوناني حيث تميزت العلاقات بين المدن، لم تظهر الحاجة في البدايات الأولى للتنظيم إلا عندما بلغت الحضارة اليونانية مراحلها المتطورة من الازدهار وبدأت المدن اليونانية تسعى لاكتساب القوة لمقاومة أي اعتداء أجنبي ودفاعا عن حضارتها وقد كانت أهم تلك التنظيمات أو الأحلاف تقوم على أساس معاهدة تحالف عسكري وكان اغلبها بمثابة تشكيل سياسي يتكون من مجلس من مفوضي الشعب ومن مجلس تنفيذي وقوة حربية تحت قيادة موحدة، كما قامت أيضا تنظيمات في شكل أحلاف شبيهة بالاتحادات الفيدرالية لها مجالس تتخذ قراراتها بالأغلبية، وتطبق القواعد الخاصة بتلك الاتحادات وهي (حرية الانخراط والمساواة بين الأعضاء )إلا أن عدم احترام هذه المبادئ عصفت بهذه الاتحادات بسبب هيمنة الإثنيات على التحالفات.
وبدأت تظهر بوادر العلاقات الخارجية في عهد الإمبراطورية الرومانية حيث أنها أقامت مجموعة من المعاهدات ،ففي القرن الخامس تم إنشاء الجامعة اللاتينية بمقتضى معاهدة أبرمت على قدم المساواة بين روما والمدن اللاتينية وكذلك مع قرطاجة واليونان واسيا ومصر، لكن بعد غزوها وتدمير هذه الدول لم تعد روما في حاجة للتعامل على قدم المساواة مع باقي الشعوب فتم فض هذه المعاهدات.
أما في العصور الوسطى بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية عرفت هذه المرحلة فوضى عمت أرجاء أوربا ودخلت على إثر ذلك مرحلة تعد الأكثر ظلامية في العصور الوسطى واستمرت هذه المرحلة عدة قرون توقف خلالها كل تطور لبوادر التنظيم التي عرفتها العصور القديمة لكن هذه المرحلة لم تدم طويلا .
ففي القرن الحادي عشر سوف تشهد أوربا ازدياد في حركة المبادلات التجارية نتج عنها ظهور بعض المحاولات التنظيمية بين المدن حيث كان لها فضل في وضع أسس مشتركة في التعامل الدولي في الميادين التجارية.
لكن في العصور الحديثة عرف التنظيم الدولي في أوائله نوعا من التطور لكن بشكل بطيء بفضل سيطرة الملوك والأمراء وتبنيهم للسيادة المطلقة إذ أن انخراطهم في منظمة دولية تستلزم الحد من تلك السيادة وبذلك تم اللجوء إلى المبدأ السياسي –مبدأ التوازن- محل تطبيق فكرة المنظمة الدولية وهو ما ظل سائدا في العلاقات الدولية خلال القرن الثامن عشر.
2- بداية ظهور المنظمات الدولية:
لقد فرضت ضروريات التجارة الدولية في بداية وأواسط القرن التاسع عشر جيل من المنظمات الدولية تسمى بـ”الهيئات الدولية النهرية” نتيجة الزيادة الكبيرة في الإنتاج الصناعي في أوروبا وتوسع حجم التبادل التجاري الدولي لكن رغم ذلك برزت صعوبات كثيرة واجهت الدول في استخدام الأنهار الدولية الصالحة للملاحة كطريق للنقل النهري، مما أدى إلى انعقاد مؤتمر فيينا عام 1815 ما ترتب عنه ظهور أول منظمة دولية شكلت هيئة دولية دائمة مكلفة بالإشراف على الملاحة في “نهر الراين” وحل المنازعات الدولية التي تقوم حولها.
هذا التطور واكبه تطور اقتصادي لبعض الدول مما فرض عليها تشكيل منظمات دولية من نوع آخر عرف باسم “الاتحادات الإدارية” وكان أول المجالات ظهورا آنذاك البريد والنقل والسكك الحديدية، وكان الغرض من ذلك هو التعاون بين الدول للاستفادة القصوى من الاختراعات العلمية وحتى لاتشكل الحدود موانع أمام هذه الاختراعات مما أدى إلى إنشاء الاتحاد الدولي لنشر التعريفات الجمركية حسب مؤتمر بروكسيل عام 1890م .
ومن هذا يتضح بان مجالات التعاون بين الدول كانت تجارية وفنية محضة أكثر مما هي سياسية ومع ذلك فان هذا التعاون دليل على رغبة الدول في تنمية العلاقات بينها، كما أن نجاح تجربة هذه الهيآت والاتحادات قد شجع الدول على تأسيس منظمات أكثر شمولية من الأولى.

3- ظهور المنظمات الدولية المعاصرة:
مع قيام عصبة الأمم في بداية القرن العشرين بدأ يبرز مفهوم المنظمة الدولية وهي أول منظمة ذات صبغة عالمية وتوجه سياسي، تهدف إلى المحافظة على السلم والأمن الدوليين وحفظ التوازن البين دولي.
إن إنشاء عصبة الأمم المتحدة المنبثق عن معاهدة السلم بفرنسا سنة 1919 يعتبر مرحلة جديدة في ميدان التنظيم الدولي، فقد كان للحرب العالمية الأولى دور حاسم في الدفع بعجلة تطور التنظيم الدولي ليبلغ مرحلة المنظمات الدولية، لكن السؤال هو لماذا سيتضح مفهوم المنظمات الدولية مع قيام عصبة الأمم؟
لقد قامت عصبة الأمم في شكل منظمة لها صفة العالمية والشمولية فقد خرجت عن نادي الدول الأوربية، كما قبلت عضوية الدول المنهزمة في الحرب والدول المستعمرة التي حصلت على استقلالها، كما جاءت المنظمة بصيغة جديدة في إدارة المنظمات الدولية وفي أهدافها فمنها مايتعلق بالأجهزة وطريقة التصويت (الإجماع) والتمثيل في المنظمة (مندوبي العمال وأرباب العمل في منظمة العمل الدولي…)
إلا أن عصبة الأمم لم تستطع أن تحقق آمال مؤسسيها لا من حيث الصبغة العالمية لأن أمريكا وعددا من الدول لم تصادق على عهد العصبة ولم تصبح أعضاء فيها، ولأن الاتحاد السوفياتي بقي لفترة خارج العصبة وانسحبت بعض الدول الأخرى بعد انضمامها (اليابان،ايطاليا) ولا من حيث تحقيق السلم والأمن الدوليين.
إن فشل عصبة الأمم لم يثني من عزيمة الدول على الاستمرار في الاتجاه العالمي نحو التنظيم بعد الحرب العالمية الثانية، وإنما بالعكس أعطاها درسا عميق الأثر ورأت هذه المرة أن تعمل على توطيد السلم الذي حاربت من اجله بوسائل أكثر فعالية، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات الدولية مبني على أساس مبدأ المساواة في السيادة بين الأمم ورفع مستواها الاجتماعي والاقتصادي وهذا أدى لإرساء ميثاق سان فرانسيسكو الذي تم التوقيع عليه في عام 1945 م والذي بموجبه تم تأسيس هيئة الأمم المتحدة التي حلت محل عصبة الأمم .
أما المنظمات الدولية الأخرى مثل منظمة العمل التي كانت قد تأسست قبل الحرب العالمية الثانية فقد تم الإبقاء عليها، والى جانب ذلك جرت تقسيمات وتعديلات على بعض المنظمات مثال ذلك المنظمة الدولية للصحة العالمية التي أصبحت منظمة الصحة العالمية، والمعهد الدولي للتعاون الثقافي الذي أصبح منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، وكذلك تم تأسيس منظمات دولية جديدة بعد الحرب العالمية الثانية منها منظمة الطيران المدني الدولي، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنماء والتعمير.
ماجعلنا نتساءل عن مدى فعالية هذه المنظمات والأهداف والمهام التي تقوم بها؟ وهذا ماسنتطرق إليه في المبحث الموالي.

المبحث الثاني: المنظمات الدولية، إطار العمل وفاعلية الأداء
حري بنا في البداية التذكير بالتعريف العام للمنظمات الدولية ،فالمنظمة عبارة عن تجمع من الدول في هيئة أو مؤسسة أنشئت على وجه الدوام والاستمرار،بمقتضى معاهدة دولية متعددة الأطراف تمنحها شخصية قانونية دولية متميزة عن شخصية الدول الأعضاء بهدف تحقيق جملة من الأهداف المحددة .
من هذا التعريف نستخلص أهم مميزات المنظمات الدولية،لكن ما يهمنا من خلال هذا التعريف الشق الذي يؤكد على أن المنظمات الدولية أنشئت من اجل تحقيق جملة من الأهداف المحددة فكما هو معلوم فان ظهور المنظمات الدولية في شكله الحديث جاء لأجل تحقيق غايات وأهداف قوامها التعاون والتبادل لما تفرضه ضرورة التنظيم الدولي في العصر الحديث .
فالسؤال المطروح هو حول فاعلية هذه المنظمات في سبيل تحقيق الأهداف التي أنشئت من اجلها،ما يحتم إبراز عنصر فاعلية هذه المنظمات في صوره المختلفة.
المطلب الأول: فاعلية المنظمات الدولية الأهداف والمهام
أولا:من المسلم به أن ظهور المنظمات الدولية كان نتيجة تبدل نظرة الإنسان إلى العالم فبعدما كانت الحرب مشروعة والبقاء فيها للأقوى على حسب قول هوبز إلا ان هذا أصبح أمرا متجاوزا بل ويعد جريمة في نظر القانون الدولي ،فكان من بين أهم الأركان التي قامت عليها المنظمات الدولية هو حفظ الأمن والسلم العالميين ،لذا كانت السبيل لتفادي قيام نزاعات دولية أو على الأقل العمل على محاصرتها وإعطائها ميزة “تقليل الخطورة” في حالة اندلاعها .
بالرغم من جميع أشكال الفشل التي منيت بها المنظمات الدولية في هذا المجال بسبب ضعف دورها مقارنة مع خطورة القضايا المطروحة على الساحة الدولية،الشيء الذي نتج عنه عدم تمكنها من تحقيق السلم والأمن الدولي إلا انه ومع ذلك لا يمكن الاستخفاف بدور هذه المنظمات على وجه الإطلاق ،حيث نجد أنها قد قدمت حلولا للعديد من القضايا الدولية التي طرحت عليها ، وبذلك يكون دور المنظمات الدولية في حفظ الأمن العالمي – وان لم يحد من انتشار النزاعات الدولية -فانه بالضرورة سعى إلى التقليل من إمكانية حدوثها وتنظيمها عبر التدابير الزجرية والتحفظية والوقائية حتى ألفينا أنفسنا أمام عالم جديد ليس هو بعالم السلام ولا هو بعالم الحرب بل هو عالم التنظيم .
ثانيا: ومن البديهيات أيضا هو انه لا أمم متحضرة بدون اقتصاد قوي ،مبني على قواعد صلبة يستمد أسسه من مجتمع بناء ،فكان الرعيل الأول من المنظمات الدولية متمثلا أساسا في اللجان النهرية والاتحادات الإدارية والتنسيق الدولي الذي يستمد هو الأخر جذوره من فكرة التعاون الاقتصادي والاجتماعي حيث أشار القرآن الكريم إلى مثل هذا (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) حيث كان لزاما على المجتمعات تبادل الموارد الطبيعية و البشرية من اجل استتباب الطمأنينة والعيش الكريم،فكان بديهي ان نرى مثلا منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قد نشأت معادية للحرب مؤيدة للسلام تغرس في عقول شعوب الأرض قيم الأمن و التعاون بدل الخوف والنفور .
ثالثا : “التغيير من داخل الإستمرار” تلك هي الصفة الغالبة على عقلية الإنسان منذ أمد فانتقل هذا الأخير من ثورة صناعية فتكنولوجيا ثم الآن معرفية ،وتفاعلا مع هذه الأحداث أصبحت مهام المنظمات الدولية متنوعة ومتشعبة بتعدد المستجدات التي ظهرت في الساحة الدولية ،مما حدا بالمنظمات الدولية إلى إن تتخصص في كل جديد حتى يشهد لها بالحركية .
رابعا: بفضل هذا التعدد الذي أفرزته المنظومة الدولية حول الدور التخصصي والتقني للمنظمات الدولية أصبحنا نرى منظمة مثل الأمم المتحدة مثلا تضم ست أجهزة أساسية إلى جانب لجان عديدة متخصصة في شتى الميادين ،غالبا ما تضم خبراء ورجال قانون هذا دون إغفال للمنظمات الغير الحكومية التي تعمل بتنسيق مع الدول والمنظمات الدولية من اجل عالم أفضل ،هذه المنظومة أطلق عليها الأستاذ michle virally بحكومة الخبراء .
المطلب الثاني: فاعلية المنظمات الدولية
إن المتتبع لواقع العلاقات الدولية وما تفرزه من اتساع الهوة بينما تصادق عليه المنظمات الدولية كأهداف ،وما يتم تحققه في الواقع يجعلنا نطرح أسئلة حول مدى قدرة المنظمات الدولية على تحقيق الأهداف التي رسمتها مواثيقها من خلال تعاملها مع القضايا المطروحة ومستجدات الساحة الدولية وكذا أهم القرارات والتوصيات المتخذة .
أولا: لمعرفة مدى تحقق أهداف المنظمات الدولية يتوجب الأخذ بمعيار قياس الأهداف بالنتائج، وبالنسبة لأهم مثال لهذه المنظمات الدولية نجد منظمة الأمم المتحدة والتي لها أهدافا كبيرة واختصاصات واسعة فإلى جانب دورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين تعنى المنظمة بحل المشاكل الدولية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية مثل هذه الأمثلة تتعدد ولكن وفقا لهذا المعيار الذي غالبا ما يعطي نتائج سلبية عن هذه الفاعلية لا يجب التقيد به لأن أغلب المنظمات الدولية تكون لديها أهداف واسعة الشيء الذي يطرح صعوبة التطبيق ،دون طبعا أن ننسى أن هذه الأهداف العريضة هي بالأساس ما يجعل المنظمات الدولية تحظى بالثقة من لدن المجتمع الدولي .
غير أن هناك اتجاه يذهب الى كون مهام هذه المنظمات تبرز في الخفاء لكن الأمر بات جليا الآن من حركات أطرها وموظفيها في عملهم الدؤوب والهادف .
ثانيا: عادة ما يكون عمل المنظمات الدولية على شاكلة تدخل مباشر عبر إصدار قرارات دولية ملزمة أو توصيات ،وشجب وتنديد ،والمهم في الأمرانه صادر عن إرادة قانونية دولية معترف بها من طرف القانون الدولي العام .
غالبا ما تكون هذه القرارات موجهة إلى الدول الأعضاء وهي التي تكون ملزمة بتطبيقها ،لكن واقع الالتزام راجع إلى طبيعة إرادة هذه الدول على احترام القرارات، فمن القرارات ما هو ملزم للجميع لكن دون تطبيق يذكر ومنها ما يتم التحفظ أو الإعتراض عليه ويبقى مطروحا حيز التنفيذ،هذا ما يدفعنا للحديث عن الفاعلية الحقة لبعض المنظمات دون أخرى.
ثالثا: يعتبر الاتحاد الأوروبي أهم وأنجع إطار للمنظمات الدولية ذات الفاعلية المشهودة لما اكتسب من تطوير لفاعليته والرغبة الجماعية لأعضائه من اجل تقديم المنظومة الأوروبية في أقوى نظام،حيث ان المنظمات الدولية الأوروبية لا تنحصر في المجموعات الأوروبية ذات الهدف الاندماجي ،بل تتعداها إلى منظمات تعاونية ذات أهداف متعددة ومتنوعة كالمجموعة الأوروبية (كتسمية جديدة للسوق الاروبية المشتركة في المجال الاقتصادي) وحلف الشمال الأطلسي(الناتو) في ميدان الدفاع ،ومجلس أوروبا في مجال التعاون السياسي .
ففكرة الوحدة للمجموعة الأوروبية إذن تبلورت منذ زمن لكن التبلور الحقيقي كان في القرن الماضي حين قامت بعض الدول الأوروبية بمقتضى معاهدة باريس 18 ابريل 1951 على إنشاء المجموعة الأوروبية للصلب والحديد والتي تعتبر اللبنة الأساس في البناء الأوروبي ولأنها بالإضافة إلى ذلك أوقفت التوتر والنزاع القائم آنذاك في أوروبا خاصة بين الجارتين فرنسا وألمانيا حول استغلال مناجم الالزاس و اللورين ،وعقب هذه الخطوة أيضا تمت المصادقة على معاهدة روما في 25 مارس 1957 التي بموجبها تم إنشاء المجموعة الاقتصادية الأوروبية .
كما أنشئت نفس المعاهدة المجموعة الأوروبية للطاقة الذرية(الاوراتوم)، ورغم أن هذه المجموعة لم تقم بوظائفها بالشكل المطلوب، لم يتولد لدى الدول الأوروبية روح الفشل بل دفعهم الأمر إلى المزيد من العمل للسير نحو التنسيق و الاندماج الشامل حسب ما ينص عليه الميثاق الأوروبي “تحقيق التقارب تدريجيا بين السياسات الاقتصادية للدول الأعضاء وتنسيق العمل لتطوير النشاطات الاقتصادية” .
وفي عقد الثمانينات من القرن الماضي ستتوالى الانضمامات إلى المجموعة الأوروبية بانضمام كل من اسبانيا و البرتغال سنة 1986 و اليونان سنة 1981 ،بحيث توج هذا الانضمام بالمصادقة على الميثاق الأوروبي الموحد في فبراير 1986(للوكسمبورغ) في شكل معاهدة تم بموجبها تعديل ميثاق معاهدة روما وبهذا أنشئت سوق أوروبية داخلية سنة 1992 (هذه السوق الداخلية هي عبارة عن فضاء دون حدود داخلية يضمن حرية تنقل السلع و الأشخاص والخدمات ورؤوس الأموال) .
وفي هذا الوقت بالضبط تكون أوروبا قد شهدت ميلاد الاتحاد الأوروبي في قالبه الحالي بمقتضى معاهدة ماستريخت ،لتستمر سلسلة من الأعمال تشهد على دينامية هذا الإطار الدولي ،وتوجت عام 2001 بإصدار العملة المشتركة .
حتى أصبح ألان الحديث عن الاتحاد الأوروبي كمنظمة عبر الدول خاصة مع إنشاء دستور الاتحاد الأوروبي .
رابعا: مع كل هذا التطور الحاصل في أوروبا القارة العجوز المنهكة بالحرب والحية أيضا بفضل مشروع مارشال و الرغبة التامة لساسة دول أوروبا في خلق نظام جديد قائم على التعاون والاندماح،إلا انه وبفعل التأخر التاريخي نشهد من الجانب الآخر نموذج (جامعة الدول العربية) المنظمة الجهوية التي أنشئت بمقتضى ميثاق القاهرة المنشئ لهذه الجامعة من طرف سبع دول هي :مصر ،السعودية ،العراق ،ليبيا، سوريا،الأردن واليمن وذلك بتاريخ 22 مارس1945 وحاليا تضم 22 دولة عربية ،ورغم ان تاريخ التأسيس يعتبر تاريخ متميز على اعتبار انه تاريخ ظهور مختلف المنظمات الدولية،ومع ذلك فهي منظمة ولدت ميتة كما يقال ،حيث أنها لم تستطع حتى أن تعطي صورة واضحة للباحثين قصد استشرافها و دراسة تجربتها .
وضعف جامعة الدول العربية ليس وليد فراغ بل له مظاهر وتجليات تقوم على أساسين أولهما ضعف ميثاق الجامعة وعدم التمكن من تعديله ،وثانيهما ضعف بنية الجامعة وطريقة اشتغالها وترابط الضعف بالضعف لا يولد إلا ضعفا .
إن ميثاق جامعة الدول العربية جاء في صيغة جد مختصرة يضم عشرون مادة أضيفت إليها ثلاث ملاحق (ملحق فلسطين،التعاون مع الدول العربية الغير العضوة ،وتعيين الأمين العام).
تأثر ميثاق الجامعة بميثاق عصبة الأمم بحيث أن ميثاقها سابق الوجود عن ميثاق الأمم المتحدة ،وقد أنشئت الجامعة على أساس يؤكد ربط العلاقة بين أعضائها عوضا عن تنميتها مما تفسره نصوص الميثاق:
“الغرض من الجامعة توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها و سيادتها و النظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها” .
ويدل هذا على قصر الميثاق و محدودية ممارسة الجامعة لاختصاصاتها، ونظرا لان العالم العربي كله آنذاك كان رهينا للاحتلال الأجنبي فقد صعب الطريق أمام جامعة الدول العربية وقيد من تحركاتها نحو أهدافها المرسومة ،هذا ولم يشر الميثاق إلى مفاهيم واضحة عن الوحدة و الأهداف القومية المرجوة بل يذكر في الفقرة الثانية من الميثاق “تعاون الدول المشتركة تعاونا وثيقا ” ،وهذا ما يؤكد أن الميثاق يحترم الخصوصيات أكثر مما يدعم العمل المشترك المتفق عليه في إطار الجامعة .
هذا رغم بروز مبادرات التعديل ،والتي كان مثالا لها “المبادرة الثلاثية المشكلة من سوريا ،مصر والسعودية التي كانت محل خلاف طويل” .
ومن جملة العراقيل البنيوية للجامعة :
عملها بمبدأ الإجماع في اتخاذ القرارات الأمر الذي يجعل الجامعة تفشل في اغلب حالات فصل النزاعات المطروحة أمامها ومن النقائص التي تبرز ضعف جامعة الدول العربية أيضا تشبث كل الدول العربية بسيادتها المطلقة بل إن الجامعة قامت على احترام مبدأ سيادة الدول وكذا عدم تكييف الجامعة مع المتغيرات السريعة التي يعرفها العالم والمنطقة خاصة ،و بالنسبة لمواكبة تطورات الساحة الدولية وما فرضته العولمة والمفاهيم الجديدة من تحطيم الحدود الوطنية ،لم يظهر أي بادرة تغيير تهم ميثاق الجامعة ماعدى التحركات الشخصية للامين العام للجامعة خاصة في مساهمته في حل بعض النزاعات القائمة (اليمن سنة 1972 الذي ظهر مؤخرا في مشكل الحوثيين والحراك الجنوبي كذلك ،وبعض التدخلات في الأزمة اللبنانية سنة 1976.)

خــــــاتــــمـــــة

وختاما يمكن الحديث عن تبلور وجهتان متعرضتان حول أهمية ودور المنظمات الدولية : الأولى تقضي بمنح السيادة للمنظمات الدولية والثانية لا تقر للمنظمات الدولية بأي استقلال خارج إطار الدول.
فالطرح الأول يعرقل مسيرة المنظمات الدولية، هذا بالإضافة إلى جانب أزمة الموارد التي تعيشها اغلب المنظمات الدولية باستثناء المنظمات ذات الموارد الخاصة كالاتحاد الأوربي لمنظمة دولية مالأمم المتحدة تدين لأكبر دولة دائمة في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة الأمريكية ، مما يولد لنا إشكالية أخرى وهي تسييس منظمة الأمم المتحدة، فزعماء أمريكا يتخذون سياسية المديونية قصد توجيه المنظمة والتحكم في استصدار القرارات من داخلها .
وتكاد تجمع اغلب الدول على انه لابديل عن إطار الدولة في القانون العام الدولي على اعتبار أن المنظمات ماهي إلا أشخاص ثانوية تنشئها أشخاص أصلية وهي الدول، لكن هذه الفكرة لن تحد من العمل المشهود لهذه المنظمات – كأشخاص من أشخاص القانون الدولي- في الساحة الدولية خاصة وأن العالم الآن يحذو حذو اعتبار بعض الهيئات الدولية فاعلين أساسيين في القانون الدولي العام وبهذا تكون المنظمات الدولية إطارا فعالا بل وضروريا رغم جميع العراقيل والصعوبات التي تواجهها .
حيث تسعى الأمم المتحدة الآن إلى أن تقود العالم إلى قانون للشعوب وفق المبدأين القائلين: يجب على مختلف الأمم أن تفعل إبان السلم الكثير من الخير، وإبان الحرب اقل ما يمكن من الشر.



لائحة المراجع



كتب

1. نادية الهواس، الوجيز في المنظمات الدولية، نداكوم للصحافة والطباعة ،الرباط ، 2005.
2. علي شفيق علي العمر، العلاقات الدولية في العصر الحديث طبعة المعارف الجديدة ،الرباط، 1990-1991.
3. يير جربيه، المنظمات الدولية، ترجمة محمد أحمد سليمان، مؤسسة سجل العرب القاهرة 1974عبد السلام سفيري، محمد عمرتي، العلاقات الدولية،مطبوعات الهلال ،وجدة، 2000.
4. عبد الحق الجناتي- الإدريسي: محاضرات في الحياة الدولية، طبعة 2005 ،مطبعة الهلال، وجدة
5. عبد المنعم إبراهيم البذراوي: العلاقات الدولية بين النظرية والتطبيق،مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء، 1980.
6. ريموند حداء، العلاقات الدولية، نظرية العلاقات الدولية أشخاص العلاقات الدولية،نظام أم فوضى في ظل العولمة، دار الحقيقية، بيروت ،2000
منشورات
7. ميثاق الأمم المتحدة.
8. الميثاق الأوربي الموحد.
9. ميثاق الجامعة العربية.
10. معاهدة روما 1957


Leave a Reply

Discover more from السياسية

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading