بقلم : محمد التجاني، باحث في العلوم السياسية -المغرب


مقدمة
يعتبر الحزب السياسي من أبرز المؤسسات السياسية التي تشكل جزءا من النسق السياسي للدولة، فطبقا للإيديولوجية الماركسية يعرف الحزب بأنه “طليعة الطبقات الكادحة التي تسعى إلى تصفية الاستغلال بشتى أشكاله أما في الإيديولوجية الغربية، فيرى. “N.O.Key”بأنه جماعة من الأشخاص يتحدون من خلال نضال مشترك لمصلحة قومية أو لمبدأ محدد متفق عليه بينهم” .
بينما يرى كل من Jean Gicquel و Andre Hauriou أن الحزب “تنظيم دائم يتحرك على مستوى وطني ومحلي من أجل الحصول على الدعم الشعبي، ويهدف إلى الوصول إلى ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة”.
إذا كان يقصد بالدبلوماسية الرسمية تلك الدبلوماسية التي يمارسها أشخاص القانون الدولي كالدول والمنظمات الدولية الحكومية عن طريق المؤسسات الدبلوماسية المعروفة،فإن الدبلوماسية الشعبية أو الحزبية هي نمط جديد من الدبلوماسية ظهر في الوقت الحاضر ويمارس على صعيد العلاقات الدولية نتيجة لتطور المفاهيم الدبلوماسية .
قد كانت الدبلوماسية في الأنظمة التقليدية عادة مجالا وسلطة خاصة بالملك، حيث تتمركز السلطة في يد الملك بموازاة مع سلسلة من التنظيمات السياسية التي تشارك بشكل محدود في اللعبة السياسية بحيث تتجلى مساهمتها لمجرد تواجدها في الواجهة لكن تعقد العلاقات الدولية المعاصرة وتنوع مجالاتها، دفع إلى البحث عن مسارات دبلوماسية جديدة، لتعويض النقص أو أحيانا العجز الذي تعاني منه بعض اليات الدبلوماسية التقليدية، وهو ما ظهر بمسمى الدبلوماسية الموازية المصطلح الذي استعمل أول مرة في الولايات المتحدة الأمريكية ،عام 1981 من قبل الدبلوماسي الأمريكي “جوزيف مونتفيل” Joseph Montville، الذي اقترح تعبير الطريق الدبلوماسي الثاني أو الدبلوماسية الموازية . وضمن هذا الطريق الثاني للدبلوماسية تندرج الدبلوماسية الحزبية، كمفهوم أساسي في السياسة الخارجية للدولة.
وتكمن أهمية الدبلوماسية الحزبية في كونها ذات ضرورة داخليا وخارجيا، فهي من جهة ينظر إليها داخليا على أنها تعبر عن إرادة جميع فئات الشعب المكونة للدولة، باعتبارها آداة لتوجيه السياسات العامة للدولة، أما من جهة أخرى فالدبلوماسية الحزبية على الصعيد الخارجي فهي تعد عامل من عوامل تسويق صورة الدولة إيجابا أو سلبا تجاه الخارج
وتثير الدبلوماسية الحزبية مجموعة من الاستفهامات، تتعلق بالإطار العام الذي تتحرك فيه، وبطبيعة علاقتها بالدبلوماسية الرسمية، ودرجة التناغم بينهما من جانب، ومن جانب آخر بطريقة ممارسة هذا النوع من الدبلوماسية ، خاصة في ظل اختلاف الأنظمة السياسية وكذلك اختلاف الأنظمة الحزبية نفسها، ومدى مساهمة الدبلوماسية الحزبية في تطوير وتنشيط الحقل الدبلوماسي الرسمي، ثم مدى محدودية عملها ؟

ولدراسة هذا الموضوع اعتمدنا المنهجين التاريخي والمقارن، نظرا لطبيعة الموضوع الذي يقضي الاعتماد على تحليل المعطيات التاريخية والمقارنة بين فعالية ومردودية الأنظمة الحزبية داخل الدول في المجال الدبلوماسي

و لمقاربة هذا الموضوع، ارتأينا تقسيم الموضوع على الشكل التالي:
المبحث الأول: الإطار العام للدبلوماسية الحزبية
المبحث الثاني: الممارسة العملية للدبلوماسية الحزبية


المبحث الأول: الإطار العام للدبلوماسية الحزبية
في هذا المبحث سنتناول الطبيعة التي تربط الدبلوماسية الحزبية كمفهوم جديد في العمل الدبلوماسي بالدبلوماسية الرسمية كنمط تقليدي هيمن على المجال الدبلوماسي مدة من الزمن (مطلب أول) ثم التطرق إلى مجموعة الوسائل والمؤثرات المتاحة أمام الدبلوماسية الحزبية في المجال الخارجي (مطلب ثاني
المطلب الأول: طبيعة علاقة الدبلوماسية الحزبية بالرسمية


يقتضي التطرق لهذا المطلب دراسة وظائف الدبلوماسية الحزبية في (فرع أول)، ثم التطرق إلى عنصر التكامل والاختلاف بين الدبلوماسية الحزبية والرسمية ( فرع ثاني )


الفرع الأول: وظائف الدبلوماسية الحزبية
للأحزاب السياسية عدة وظائف تقوم بها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، حيث تقوم بتأطير الرأي العام، وتوجيهه ، فهي بذلك تساعد في تكوين نخبة متميزة يشهد لها بالخبرة، قادرة على العطاء على المستوى الدبلوماسي، تهتم بمناقشة المسائل العامة، بما فيها المسائل المتعلقة بالسياسة الخارجية للبلاد، حيث يكون باستطاعة الأفراد التأثير والضغط على النواب المنتمين للحزب من أجل التحرك وتقديم رؤية محددة في السياسة الخارجية للدولة ، كما أنها تقوم إلى جانب ذلك بتنوير و تأطير الرأي العام، وذلك عن طريق ما تقوم به من عقد الاجتماعات التحسيسية الخاصة بالسياسة الخارجية، حيث تسخر لأجل ذلك وسائل الإعلام المختلفة
وتحتل الأحزاب السياسة مكانة متميزة في سيرورة التأثير الذي تمارسه على القوى الفاعلة في السياسة الخارجية، إذ تندرج ضمن فئات الضغط اللامتناهية.


وانطلاقا من الوظائف الأساسية للحزب السياسي يرى “مارسيل مرل” أن الأحزاب السياسية إلى جانب كونها أجهزة وأدوات ترمي إلى ممارسة السلطة فإنها أيضا وسيط بين الحاكمين والمحكومين، لذا وجب الأخذ بعين الاعتبار في دعايتها كما في ممارستها البعد الدولي للمشاكل ، وبالتالي فهي تشكل وسيلة وصل للمطالب الصادرة عن النسق السياسي الداخلي وأداة لملائمتها مع التحديات التي تأتي من الخارج.
إلا أن واقع الحال، يثبت أن الأحزاب السياسية تلعب غالبا دورا تمويهيا، عن طريق إخفاء أهداف سياستها الخارجية وراء برامجها المتعلقة بالسياسة الداخلية، وإذا كانت المهمة الأولى للدبلوماسية هي الدفاع عن المصالح الحيوية للشعوب فإن إخضاع العمل الدبلوماسي للرقابة الشعبية يمثل ظاهرة إيجابية تتفق تماما مع الهدف الذي من أجله تتم هذه الممارسة الدبلوماسية بالنيابة عن المجتمع .


الفرع الثاني: الدبلوماسية الحزبية والرسمية (تكامل ام تعارض)


تعبر الدبلوماسية الحزبية عن نوعية جديدة من الممارسة الدبلوماسية، التي – تختلف بصفة أساسية عن الدبلوماسية التقليدية – تمثلت في ما يعرف بالدبلوماسية المغلقة .
وتعتبر الدبلوماسية الحزبية نتاج للمخاض الذي ترتب عن مجموعة من التفاعلات الدولية، فظهورها لم يأتي سوى لأهميتها الكبيرة لسد الفراغ الذي عانت منه الدبلوماسية الرسمية .
وأمام التحولات العميقة التي شهدتها البشرية خلال العقدين الأخيرين – خاصة في مجال التكنولوجيا والاتصال والإعلام- دفع الأمر للاقتناع بأن دبلوماسية الدولة التقليدية بخصوص مراقبة مجالها الخارجي أصبح مشتركا مع عدد من الفاعلين الذين يمارسون أنشطتهم الدولية الخاصة، ويتمتعون بإرادة سياسية مستقلة، حتى أصبحنا نعاصر تشكل مجال عام واسع ينشغل بالقضايا الدولية خارج رقابة الدولة .

ومهما يكن نوع الحكومات، فإن الدول دائما تتصرف طبقا لمصلحتها القومية، لهذا يرى أصحاب النظرية الواقعية أن موضع الدولة في المنظومة الدولية يحدد مصالحها القومية وينبئ عن سياستها الخارجية
وفي مجال الدبلوماسية يكون التكامل على شكل علاقة يتبدل فيها سلوك هؤلاء الممثلين السياسيين أو الوحدات أو المكونات، إذ يمكن النظر إلى السلطة على أنها علاقة يجبر فيها ممثل واحد على الأقل على أن يتصرف بطريقة مختلفة عن التي يتصرف بها عادة لولا هذه العلاقة .
ويعهد تطبيق السياسة الخارجية إلى الهيكل الدبلوماسي، إذ أن نمو الدبلوماسية المتعددة الجوانب أدى إلى استدعاء “خبراء” وشخصيات سياسية للتدخل بواسطة التعاون الوثيق مع الدبلوماسيين المحترفين والخبراء
ويختلف هذا التكامل والانسجام بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الحزبية بحسب طبيعة الأنظمة الحزبية و المرجعية الإيديولوجية، فوضعية دولة الصين الشعبية مثلا
تخضع دائما على الصعيد السياسي لمراقبة الحزب، ولاسيما عندما تكون على علاقة مباشرة مع أخطار الخارج، إن الوقائع تثبت أن ثمة ديكتاتورية تامة على الإدارة وعلى كل المستويات، تخضع هذه الإدارة لإشراف اللجن، وتوجيهات المسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني، إن الحكومة الصينية هي أداة تنفيذ السياسة التي تحددها اللجنة المركزية للحزب

إن أزمة السلطة ليست سوى انعكاس للتشابك المتنامي بين مجالات السياسة الداخلية والسياسة الخارجية.
إن التوفيق بين الدبلوماسية الرسمية والدبلوماسية الحزبية هو إنجاز صعب التحقيق، لاسيما وأن عدة ممثلين يظهرون على المسرح السياسي الداخلي لكي قصد محاولة التأثير على مجرى السياسة الخارجية باتجاه مصالحهم أو قناعاتهم
ويمكننا الاستشهاد بما قام به حزب العدالة والتنمية المغربي في يناير 2009، إذ قام بحشد الفرق المعارضة بمجلس النواب، ودفعها للقيام بزيارة “ود وامتنان” إلى مقر القائم بالأعمال الفنزويلية بالمغرب، السيد “خوسي أبيل كال ديفيغو”، جراء طرد فنزويلا للسفير الإسرائيلي المعتمد لديها .
ولعلها المبادرة التي اعتبرتها المؤسسة الملكية، عدا كونها مبادرة خارجة عن الإجماع الوطني، فإنها تعبر عن موقف ناشز لا يستقيم مع أعراف وضوابط السياسة الخارجية المغربية التي يحتفظ فيها الملك بالسياسة الخارجية على أنها مجاله المحفوظ
ولعل هذا ما لخصه “جورج واشنطن” حين حديثه عن الأحزاب السياسية على أنها تؤدي إلى إلهاء المجالس العامة وإضعاف الإدارة العامة، وأنها تحرض الجماعة إلى تغيير غير ذات أساس يولد ذعرا زائفا ويلهب العداوات، ويثير الشغب والاضطرابات، وأنه يفتح الأبواب للنفوذ الخارجي والفساد اللذان ينفذان للحكومة نفسها من خلال القنوات التي تتيحها الأحزاب السياسية ، ولذا فإن السياسة و إدارة البلاد تخضع لسياسة وإدارة بلاد أخرى

المطلب الثاني: وسائل تأثير الأحزاب السياسية في المجال الدبلوماسي

إذا كانت الأحزاب السياسية تسعى جاهدة للتأثير في صناعة القرارات السياسة الرسمية، فإنها تستعمل لأجل ذلك عدة أدوات ومؤثرات (فرع أول) وتختلف درجة التأثير على الدبلوماسية الرسمية حسب كل أداة (فرع ثان).

الفرع الأول: أدوات تأثير الأحزاب السياسية في المجال الدبلوماسي
تمتلك الأحزاب السياسة مجموعة من الوسائل التي تمكنها من ممارسة العمل الدبلوماسي، سواء بطريقة مباشرة عن طريق مشاركتها في المؤسسات الرسمية أو بشكل غير مباشر عن طريق مجموعة من الآليات تتمثل أساسا في تفعيل وسائل الإعلام واستثمار العلاقات الشخصية ومن ثم الاستشارات. فبخصوص الأداة الإعلامية، يتم التعبير عن المطالب الحزبية من خلال تحريك الآلة الإعلامية التي تمتلكها الأحزاب من صحف وقنوات تلفزيونية وغيرها مسخرة إياها لنشر توجهاتها وقيمها .
كما تلعب القنوات الشخصية دورا كبيرا خاصة في المجتمعات النامية، إذ أن وزن شخصية حزبية أو سياسية يقيم عادة بمدى امتداد شبكته العلائقية ومدى فعاليتها في تحقيق الأهداف الدبلوماسية .
أما فيما يخص الاستشارات فعادة ما تستشير السلطات العامة الأحزاب السياسية في بعض القضايا الوطنية، ويمكن أن تكون هذه الاستشارات إما دائمة أو مؤقتة حسب ما تقتضيه الظروف السياسية أو الاقتصادية الدبلوماسية الحزبية يمكن للأحزاب السياسية أن تمارس الدبلوماسية من داخل البرلمان من خلال مقترحات عبر تقنيات متعددة، مثل تقنية المسائلة أو التصويت أو الرقابة على أعمال الحكومة بخصوص الأداء الدبلوماسي الخارجي لها.
ذلك أن البرلمان يتشكل من مجموعة من الفرق والمجموعات الحزبية، تعمل بتوجيه من أحزابها

كما أنه في حكومات الدول ذات النظام النيابي، تكون الحكومة منبثقة عن الأحزاب السياسة وبالتالي فهي تطبق رؤية الحزب سواء في المجال الداخلي أو الخارجي، ذلك أن هؤلاء الوزراء يتم التوافق على ترشيحهم للوزارات حزبيا، وبالتالي فهم أكثر ولاءا للحزب في أطروحاته ورؤاه الخارجية للقضايا الوطنية
كما تلجأ الأحزاب السياسية إلى الرأي العام الوطني أو الدولي كوسيلة للتأثير على توجهات الدولة،فتضع الحكومات – خاصة أثناء عمليات التفاوض الدبلوماسي – في بؤرة الضغوط المباشرة للرأي العام، وهو ما يرغم هذه الأخيرة على اتخاذ مواقف معينة، وبالصورة المرجوة . وتحدث هذه المناورة الحزبية ليس دفاعا عن المصالح الوطنية للدول، وإنما للوصول إلى السلطة على أنقاض الحكومات القائمة .


وفي هذا السياق، يمكن القول أن الأحزاب السياسية تعتبر من المخاطبين المميزين في مجال إعداد السياسة الخارجية، كما أن علاقتها بالسلطة تجعلها ملزمة بأن تدرج في برامجها الانتخابية كل ما يتعلق بالقضايا الدولية. وهذه الميزة لا تنحصر في تتبع المواقف والسياسات الرسمية في مجال السياسة الخارجية، بل تتعداه إلى وضع برامج سياسية تتضمن الخطوط العريضة لما تنوي هذه الأحزاب القيام به في مجال تفعيل دبلوماسيتها.


الفرع الثاني: درجة تأثيرها في صناعة القرار الخارج
تعد الأحزاب في وقتنا الحاضر إحدى أهم القوى التي أصبح لها دور في مجال صنع القرار الخارجي، رغم أن قضايا السياسة الخارجية لا تأتي إلا في المرتبة الثانية ضمن أولوية الأحزاب بعد السياسة الداخلية، و بروز هذه القوى يجد أساسه في الممارسة الديمقراطية.
وما يدعم هذا الطرح هو ما ذهب إليه “كارل دويتش” في محاولته لتوضيح صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يقول ” يمكن أن ننظر إلى الحكومة الأمريكية بأسرها كنظام واحد لصنع القرارات، له ذاكرته ومسالكه الخارجية والداخلية لتلقي المعلومات، كذلك نستطيع أيضا أن ننظر إلى النظم الفرعية الأصغر في داخل الولايات المتحدة – من قبيل الوكالات الحكومية الرئيسية کوزارة الخارجية أو وزارة الدفاع أو الأحزاب السياسية الرئيسية والتجمعات في داخل الكونجرس- على أن كل منها تشكل نظاما لاتخاذ القرارات، له آلياته وقنواته لاستقبال المعلومات، وبناء عليه فأي قرار رئيسي فعلي خاص بالسياسة الخارجية يتخذ ،فهو يعد نتيجة تفاعل هؤلاء الممثلين العديدين في الداخل (والمتنازعين)”
وعلى كل فإن كفالة الحرية للأحزاب وخصوصا المعارضة منها للتوجهات الرسمية عند مناقشة بنود المواثيق والمعاهدات التي تكون دولهم أطرافا فيها، يؤدي إلى إقناعهم بمبرراتها وتقبلهم لما تتضمن من التزامات، كما أن تلك المناقشات قد تساعد من ناحية أخرى على تغيير مضمون هذه الالتزامات التعاهدية في الاتجاه الذي يتفق وضرورات المصلحة الوطنية المشتركة.
ولابد من التأكيد على أن الدبلوماسية الحزبية، بمساهمتها في صنع السياسة الخارجية وتفعيل دورها وتنشيطها، فهي بذلك تشكل أداة لدعم الدبلوماسية الرسمية، وتوجيهها في اتجاه خدمة القضايا الوطنية و الدولية، كما أنها أداة تكميلية للدبلوماسية الرسمية التي يصعب ضمان فعاليتها ونجاعتها في غياب التعاون والتنسيق بين كل الفاعلين.


لكن الأحزاب السياسية تختلف في ممارستها للدبلوماسية باختلاف أصولها المذهبية، فتوجد أحزاب تحدد أهدافا لا محيد عنها، بينما توجد أخرى تعدل أهدافها تبعا لاختلاف الظروف،مما يدفع رجال الدولة والمسؤولين السياسيين إلى أن يكونوا صورة مستقرة على نحو ما، متباينة الدقة متفاوتة الأحكام من أجل احتواء الأحزاب السياسية واستثمارها على المستوى الدبلوماسي، خدمة للمصلحة القومية


المبحث الثاني: الممارسة العملية للدبلوماسية الحزبية


تختلف الممارسة الحزبية للدبلوماسية حسب طبيعة الأنظمة السياسية ، حيث يحدث هذا من خلال تنوع الترتيبات الممكنة بين الأحزاب الموجودة، فمن الحزب الحاكم المستفرد بالسلطة إلى التعددية الحزبية مرورا بالثنائية الحزبية (المطلب الأول).
ويتفق الخبراء على الاعتراف بأن نظام الأحزاب يتفوق في أهميته الشكلية على الأنظمة السياسية الأخرى، إلا أنه من الصعب تقييم حصيلة الأداء الدبلوماسي لهذه الأحزاب، وهو ما سوف نحاول إبرازه من خلال تبیان مظاهر القوة والقصور في هذه الممارسة (المطلب الثاني).


المطلب الأول : نماذج عملية للدبلوماسية الحزبية
إن تعدد أشكال الأحزاب والأنظمة الحزبية ترتب عليه اختلاف في شكل وحجم الممارسة الدبلوماسية لهذه الأحزاب، سواء تعلق الأمر بالأنظمة الثنائية الحزبية (فرع أول) أو الأنظمة ذات التعددية الحزبية (فرع ثاني).


الفرع الأول: الدول ذات الثنائية الحزبية (بريطانيا وأمريكا)


يعتبر نظام الثنائية الحزبية نوع من الأنظمة القائمة على تعدد الأحزاب، ولكنه من حيث التطبيق العملي ينتهي إلى تركيز القوى السياسية بسظ حزبين كبيرين، يستطيع أحدهما أن يحصل على الأغلبية البرلمانية، أو أن يشكل الحكومة بمفرده .
وتستقر الحياة السياسية في دول، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمی، وذلك من خلال تناوب نظامين سياسيين على السلطة، لكن هذا التداول أو المناوبة الحاصلة تنطوي بالأساس على خطر واضح، يفيد بعدم الاستمرارية في ميدان السياسة الدولية، خاصة إذا ما كانت مواقف هذه الأحزاب متباعدة المتضاربة عن بعضها البعض .

وكثيرة هي الأمثلة الواردة في هذا الخصوص حول الأنظمة الثنائية الحزبية، حيث يلجأ القادة السياسيين إلى محاولة إيجاد نوع من التوافق في ما يخص انتهاج سياسة خارجية ثنائية حزبية.
ففي الولايات المتحدة الأمريكية، ومنذ الحرب العالمية الثانية، توصل رؤساء الحزبين الديمقراطي والجمهوري إلى الاعتماد على أغلبية توافقية مؤلفة من الجناح المعتدل في الحزبين، وهكذا تم تأمين الأداء السياسي الخارجي والاستمرارية في نهج السياسة الخارجية الأمريكية من روزفلت إلى نيكسون دون أخطاء كثيرة، لكن هذه المسألة تبقى غير قابلة للتطبيق، إلا فيما يخص الأحزاب المرنة التي تتوفر على عقيدة متينة ورؤى واضحة
أما في بريطانيا العظمى، فإن جمود بنية وصلابة النظام المسيطر على صعيد الكتل البرلمانية، أجبر على اللجوء إلى نوع آخر من الثنائية الحزبية، وتتحقق هذه الأخيرة بفضل اتفاق ضمني بين الحزبين الكبيرين حول أهداف السياسة الخارجية باعتبار أن المناقشة تنحصر عادة في نقد الوسائل المستخدمة لبلوغ هذه الأهداف فقط ،وهكذا تم الإبقاء وتبني قضية “سياسة نزع الاستعمار” التي بدأها العمال في 1945 من قبل المحافظين الذين عادوا إلى السلطة سنة 1951.
وبفضل الإنصاف الذي تبديه الأحزاب، فإن استمرارية انتهاج نفس النهج الدبلوماسي بخصوص السياسة الخارجية يمكن ضمانها بالرغم من التناوب على السلطة .


وعلى خلاف الأحزاب الأمريكية، تتميز الأحزاب البريطانية، بوضوح الخط العقائدي الفاصل بينهما و بالانضباط الحزبي، فمن حيث العقيدة السياسية هناك وضوح تام في الاختلاف بين سياسات حزب العمال وحزب المحافظين، حيث أن تجذر مواقف حزب العمال على صعيد السياسة الدفاعية يشكل تهديدا لاستمرارية السياسة الخارجية على نفس النهج في حال التناوب على السلطة، وهو ما يتأكد كذلك بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية إذ نجد أنه تم انتقاد برنامج الأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية في عهد الرئيس “نيكسون، من طرف الكونغرس الذي يهيمن عليه الحزب كمعارضة، حيث أجاز مجلس الشيوخ التوقيع على معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية بفارق صوت واحد
وازدادت هذه التوترات والخلافات حول الرؤى الإستراتيجية لتدبير الحقل الدبلوماسي في تلك الآونة، وهو ما تجسد في التدخل بالعراق وأفغانستان، مما أثار جدلا ونقاشا حادا بين الأحزاب السياسية في كلا البلدين حول طريقة تدبير الشأن الخارجي .
ولعل ما يبرر هذا الطرح رؤية كيسنجر للمصالح الإستراتيجية العليا، حيث يرى أنه ينبغي التخطيط لدبلوماسية تلائم هذه الإستراتيجية ، بحيث أنه عندما يتعلق الأمر بالأمن القوميو، فالحسابات الضيقة لا تطبق، وعلى القادة إظهار نزعة عالية إلى التوافق، تجعل هذه الإستراتيجية ممكنة التطبيق .
وعلى ضوء ذلك فان تفاقم التوترات الدولية هو الذي يهدد التوافق الحزبي، في بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، ويقلب التوازنات السياسية الداخلية .


الفرع الثاني: الدول ذات التعددية الحزبية (المغرب – فرنسا)


لقد مثلت حالة فرنسا حلا طريفا، لأنها تربط التعددية الحزبية مع فصل بين الأغلبية الرئاسية المعارضة.
إلا أن الأحزاب السياسة الفرنسية، حاولت رسم سياستها الخارجية الذاتية بصورة عامة. وغالبا ما يشترك مسؤولوها في أحزاب متقاربة التوجهات، سواء تعلق الأمر بحركات مثل الأممية الاشتراكية، أو على صعيد الكتل البرلمانية، مثل تلك التي تكونت في ظل الجمعيات الأوروبية،وتضاعف هذه الأحزاب من توجهاتها صوب الخارج، حيث لا يتوانون عن طلب لقاءات مع كبار المسؤولين (جورج مارشيه في بيكن، وموسكو والجزائر… وجاك شيراك في لندن، وواشنطن وروما) ويستخدم هذا الإجراء أحيانا للتأثير على السياسة الخارجية من الخارج، كما يستخدم غالبا لتدعيم صورة المرشح ، الذي يأمل الوصول إلى أعلى المراكز داخل الوطن .

إن التوافق المفترض وجوده على مستوى الطبقة السياسية الفرنسية حول الخطوط الكبرى السياسية الخارجية هو ظاهري أكثر منه حقيقي .
ويتجلى ذلك في الهجوم الحاد الذي شنته السكرتيرة العامة للحزب الاشتراکی المعارض حول سياسة “ساركوزي” في الشرق الأوسط وإعادة إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط، حيث اعتبرت أن سياسته تضحي باستقلالية فرنسا في العالم وأنه قلص من نفوذها الخارحي وضيق هامش مناورتها وتحركاتها، وبانسبة لعودة فرنسا إلى قيادة الحلف الأطلسي والاصطفاف وراء الولايات المتحدة فقد انتقدته،واعتبرت أن ساركوزي يتسم بالعشوائية في تدبير السياسة الخارجية آنذاك
كما تتمتع الأحزاب السياسية في فرنسا بقوة تأثير كبيرة في توجيه الرأي العام الفرنسي، حيث نجحت في تعبئة الجماهير لرفض ومخالفة التوجهات الرسمية للحكومة، وهذا ما اتضح برفض الشعب الفرنسي للدستور الأوروبي على سبيل المثال.
وبخصوص المغرب، فقد أظهرت الدبلوماسية الرسمية في فترة الثمانينات عن عجزها في كسب التعاطف الدولي في ما يخص قضية الصحراء، مما أدى بالأحزاب السياسية للدخول على الخط في تدعيم التوجهات الرسمية للدولة ، حيث أبانت الدبلوماسية الحزبية عن فاعلية كبيرة في التعريف بهذه القضية، بحيث لم تعد السياسة الخارجية تمثل مجالا للجدل والصراع بين المعارضة والقصر، بل تحولت أداة تسمح بحل الأزمات السياسبة ، وذلك في إطار الإجماع الوطني حول “قضية الصحراء”. حيث شاركت مختلف الأحزاب في شرح الموقف المغربي وتبنيه على الصعيد الدولي. ومثال ذلك الجهود المكثفة المبذولة في منع دخول “الجمهورية الصحراوية” في منظمة الوحدة الإفريقية).
وبالنظر لوضعية حقوق الإنسان المزرية وضيق هامش الحرية والديمقراطية، لم يكن بمقدور الأجهزة الرسمية جلب التأييد في ظل الصراع القائم بين الكتلتين الشرقية والغربية، هذا بالإضافة إلى عجز الدبلوماسية الرسمية في تعبئة الرأي العام ، مما جعل حزب الاتحاد الاشتراكي بالخصوص يدخل على الخط مع ويؤيد السياسة الرسمية للمملكة ، ذلك أن انخراط الحزب فيما يسمى بالمسلسل الديمقراطي (حكومة التناوب) جعله يساهم في لعب دور أساسي في مواجهة الآلة الدبلوماسية الجزائرية. وهذا ما اتضح من خلال سحب العديد من الدول اعترافها “بجبهة البوليساريو” ، نظرا للدور البارز الذي لعبه الحزب داخل الأممية الإشتراكية وربطه العديد من العلاقات الوطيدة مع بعض الأنظمة “التقدمية” في العالم العربي .
أما بخصوص العهد الجديد، فقد لوحظ زيادة مكثفة في نشاط الدبلوماسية الحزبية، وهو ما اتضح جليا عندما قام رؤساء الأحزاب السياسية في حكومة عباس الفاسي، بزيارات متكررة لبعض العواصم الغربية للتعريف بمشروع الحكم الذاتي. بل أكثر من ذلك، دخلت الأحزاب السياسية في محاولة حلحلة الأزمة الدبلوماسية بين المملكة المغربية واسبانيا، بسبب أزمة “أمينتو حيدار”، حيث قام خلالها الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة بزيارة لإسبانيا بخصوص توضيح الموقف المغربي من هذه القضية وشرحه للسياسة الاسبان.
كما قام محمد اليازغي الأمين العام للحزب بعقد لقاء مع الرئيس الإيراني” أحمدي نجاد” على هامش القمة الاقتصادية المنعقدة بتركيا، نونبر 2009، لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لمحاولة إعطاء مؤشرات إيجابية عن إمكانية إعادة الدفء المفتقد للعلاقات المغربية الإيرانية، ومعها إعادة التطبيع الدبلوماسي الرسمي بين البلدين
لكن تبقى طبيعة النظام السياسي المغربي الذي يبقي المجال الدبلوماسي وتدبير السياسة الخارجية في إطار المجال المحفوظ للملك، يترك أثرا سلبيا من حيث جعل الأحزاب بعيدة عن هذا المجال ، الشيء الذي يحرمها من أي فرصة للتعريف برؤيتها الخاصة لقضايا السياسة الخارجية، ناهيك عن حرمانها من اكتساب التجارب العملية التي تساهم في تكوين الأطر الحزبية في المجال الدبلوماسي.
وعلى العموم، فان الدبلوماسية الحزبية في الدول ذات التعددية الحزبية تختلف في تأثيرها على الدبلوماسية من نظام سياسي إلى أخر.
فبالرجوع إلى فرنسا نجد أن أحزابها السياسية جد متجذرة داخل الأوساط الشعبية الفرنسية، الشيء الذي يمنحها قوة في التأثير وتوجيه الرأي العام فيما يصب في مصالحها، وترتبط بشبكة علاقات واسعة على المستوى الخارجي. إضافة إلى ميزة التناوب التي تسمح للأحزاب الفرنسية بالوصول إلى أعلى مراتب صنع القرار.
بل إن الأحزاب السياسية الفرنسية، كما في الدول الديمقراطية أكثر ارتباطا بالمصالح الإستراتيجية القومية. وهذا ما تفتقده الأحزاب السياسية في دول العالم الثالث، حيث تغلب مصالحها الحزبية الضيقة على المصلحة الوطنية بل أنها تبقى بعيدة عن المجال المحفوظ أصلا للرؤساء والملوك. وهذا ما يؤكده “ريتشارد سنایدر” صاحب مقترب صناعة القرار في السياسة الخارجية و”أدغار فورنیس”. وقد عرف هذان الاثنان المصلحة القومية بأنها ما يقرره صانع القرار، فهو الذي يحدد أولويات السياسة الخارجية، ويتأثر بذلك بالطبع بعوامل عديدة منها جماعات المصالح المختلفة في الدولة كل قد يريد أن يدفع بمصلحته الشخصية الى اعتبارها المصلحة القومية. إذن، فالمصلحة في الدولة هي ما يعمل المسؤولون في الدولة للحفاظ عليه وتقويته .


المطلب الثاني: حصيلة الدبلوماسية الحزبية
لعبت الأحزاب السياسية دورا مهما في المجال الدبلوماسي إلى جانب الأجهزة الرسمية، وذلك من خلال الوسائل والأدوات التي وظفتها في ممارستها لهذا العمل الدبلوماسي، إلا أن الممارسة العملية أبانت عن مظاهر للقوة (الفرع الأول) كما كشفت عن مظاهر للقصور في هذا الأداء (الفرع الثاني).


الفرع الأول: مظاهر القوة في العمل الدبلوماسي الحزبي
تلعب الأحزاب السياسة دون شك دورا هاما في إعداد السياسة الخارجية وتنشيط الأداء الدبلوماسي للدولة. وهذا الدور الهام يظهر بشكل خاص، لاسيما عندما يتعلق الأمر بإقامة جسر بين التوجهات الكبرى للعمل الحكومي والقوى الأخرى.
تمثل الأحزاب السياسية إلى حد ما مجالات عريضة نوعا ما من المصالح، وكثيرا ما تشكل في العادة تأثيرا مباشرا على السياسة الخارجية وعلى المناخ السياسية. بل إنها تحاول عبر أجهزتها ومؤسساتها المنتخبة التأثير فيها وتوجيهها في اتجاه خدمة المصالح القومية إذ أن كل حزب يسعى إلى الدفاع عن مصالح المجموعة التي يمثلها، وذلك استنادا للأفكار والاتجاهات الطبقية التي تمارس أحيانا تأثيرا قويا (وان كان ذكيا) على اتجاهات السياسة الخارجية وأيضا سياسات حتى أكثر البلاد تقدما وأحسنها تكاملا من الناحية الاجتماعية.
وتكمن أهمية الأحزاب السياسية في الدول الديمقراطية التي تتمتع فيها الأحزاب بضمانات قانونية. وهذا ما وضحه الكاتب الانجليزي “إيفور جينغز” حيث أبرز أن دراسة جدية للدستور الانجليزي اليوم يجب أن تبدأ وتنتهي بالأحزاب وأن نناقشها طولا وعرضا ، إن الأحزاب في الواقع هي التي تعطي الدافع للنظام بمجمله، وبصورة أوضح الحزبان اللذان يتنافسان على السلطة المحافظون والعمال
وإن الدبلوماسية الحزبية تضع الحكومات، وبخاصة أثناء عمليات التفاوض الدبلوماسي في بؤر الضغط المباشرة للرأي العام، وهو ما يحرجها ويرغمها على اتخاذ مواقف متصلبة أو متطرفة وبالصورة التي قد تكن خارج مقدورها تماما، ذلك أن نزعة نحو المرونة أو التساهل غالبا ما يفسر على أنها تحمل معنى الضغط أو التخاذل في مواجهة الأطراف الأخرى الذين تشملهم عملية التفاوض، مثل هذا التفسير العاطفي أو غير الموضوعي من الرأي العام الداخلي قد يؤدي إلى الإطاحة بالحكومة مع أول انتخابات عامة وهو ما تحسب له الحكومة ألف حساب وتخشی نتائجه”
وعلى العموم، فإن مظاهر القوة في العمل الدبلوماسي الحزبي، باتت ملحوظة ومتنوعة خاصة في ظل عصر العولمة، وتشابك القضايا الخارجية والداخلية، وتنامي فكرة التكامل بين جميع الفاعلين في الحقل الدبلوماسي خدمة للمصالح القومية.
الفرع الثاني: مظاهر القصور في العمل الدبلوماسي الحزبي
إن غلبة الصفوة أو النخبة على العمليات السياسية، وخصوصا في دول العالم الثالث يعيق عمل الدبلوماسية الحزبية، فاستمرار سيادة المؤسسة الرئاسية أو المؤسسة الملكية في تقرير موضوعات السياسة العليا، واختفاء آليات التفاوض المؤسسي وسيادة آليات الاستقطاب السياسي للمعارضة والمشاركين في النظام، يفرغ الدبلوماسية الحزبية من محتواها الأساسي والمتمثل في المشاركة في تسيير الدبلوماسية بالموازاة مع الدبلوماسية الرسمية. إضافة إلى ذلك يمكن أن يلمس هذا الإفراغ من المحتوى في سيطرة مفاهيم الوحدة دون الاختلاف في الآراء والتنافس الاجتماعي واختلاف منظومة القيم بين فئات الشعب المختلفة دون الأخذ بعين الاعتبار تنوعهم الإيديولوجي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو العرقي، مما يؤدي إلى فهم الاختلاف في الآراء على انه دائما مصدر الفرقة والتشتت.
وما يمكن ملاحظته، أن الأحزاب السياسة لا تعير إلا اهتماما ثانويا بالمشاكل الدولية، خاصة في الدول ذات الأنظمة السياسية المغلقة، التي تعد فيها السياسة الخارجية مجالا محفوظا للملك أو لرئيس الدولة.
لذا فالأحزاب التي تناضل في المجال الخارجي قليلة في الدول غير الديمقراطية، فهي غالبا ما تحاول إخفاء أهدافها في السياسة الخارجية وراء برامجها الداخلية، مع رهن ذلك بتنوع التشكلات الحزبية القائمة. وبالرغم من أن تصورات الأحزاب السياسية للسياسة الخارجية وممارستها الدبلوماسية، تتفق وتتكيف مع التطورات التي يعرفها حقل السياسة الخارجية في ظل العولمة، إلا أنها مطالبة بل مدعوة بإلحاح إلى تبني رؤية عملية واضحة للتمكن من التعامل الواقعي مع العالم الخارجي .
إلا أن الطبيعة السرية للعمل الدبلوماسي، يفرض غالبا معالجة سرية لملفات السياسة الخارجية، نظرا لحساسيتها وخطورتها على أمن واستقرار الدولة 47. مما يحول دون إشراك الأحزاب بالإطلاع على مجريات وحيثيات القضايا المتعلقة بالشأن الدبلوماسي.
خاتمة:
باتت الدبلوماسية الحزبية تلعب دورا كبيرا على المستوى الخارجي، كما أنها تمتلك عدة أليات للتأثير على صنع القرارات الداخلية والخارجية.
متمثلة أساسا في قدرتها على جلب تأييد الجماهير، وتسخير الإعلام لمصلحتها ورؤاها الآنية والإستراتيجية. فالدبلوماسية الحزبية اليوم، أضحت أهم رافد من روافد السياسة الخارجية للدول، بل موجها ومراقبا حقيقيا للتصرفات الخارجية التي ترى فيها مساسا بالمصالح الوطنية.
لكن مع ذلك، فإن هذا الدور يختلف من دولة إلى أخرى، طبقا لفلسفتها السياسية والاجتماعية وطريقة إدارة الحكم فيها.
كما أن الدبلوماسية الحزبية نفسها، لا زالت تواجه مجموعة من العراقيل التي تقف في وجهها، نظرا لطبيعة العمل الدبلوماسي نفسه، كالسرية الشديدة التي تلفه. ثم إن هذا المجال أصلا من المجالات المحفوظة. والتي لا يسمح للكثيرين بالمشاركة فيها. ومع ذلك سيبقى السؤال المطروح هل حقا للدبلوماسية الحزبية القدرة على مسايرة هذا التطور الحاصل في المجال الخارجي؟ أم أنها سوف تعجز عن مسايرته ومواكبته، كما هو حال الدبلوماسية الرسمية، وبالتالي فتح المجال أمام آخرين من أجل سد الفراغ الحاصل في السياسة الخارجية.










لائحة المصادر والمراجع:
ا- الكتب بالعربية:
هنری کسنجر، هل تحتاج أمريكا إلى سياسة خارجية، دار الكتاب العربي،بیروت، الطبعة الثانية، 2003. / طارق فتح الله خضر، دور الأحزاب السياسية في النظام النيابي دراسة مقارنة، دار نافع للطباعة والنشر، بدون سنة. سهيل حسين الفتلاوي: الدبلوماسية بين النظرية والتطبيق، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 2009.
ميغيل هيرناندو، السياسة الحارجية للمغرب،ترجمة عبد العالي بروكي منشورات الزمان، مطبعة النجاخ الجديدة، الدار البيضاء ، الطبعة الأولى .2005
سعيد الصديقي: قراءة في أبعاد الدبلوماسية الجديدة، مطبوعات الهلال،وجدة، 2002.
مارسيل مرل، السياسة الخارجية، ترجمة خضر خضر، لسلسة آفاق دولية 2، (بدون سنة).
إسماعيل صبري مقلد: الإستراتيجية والسياسة الدولية، المفاهيم والحقائق الأساسية مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، بدون سنة.
جوزيف س. ناي الابن، المنازعات الدولية، مقدمة للنظرية والتاريخ، ترجمة أحمد أمين الجمل ومجدي كامل، الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997.
كارل دوتيش: تحليل العلاقات الدولية، ترجمة محمود نافع، مكتبة الأنجلو المصرية، 1982.
ألبير مابيلو مارسیل مرل: الأحزاب السياسية في بريطانيا العظمی، ترجمة برجاوي، مطبعة الجامعي، بيروت ، الطبعة الأولى.
ناصيف يوسف حتي ، النظرية في العلاقات الدولية ، دار الكتاب العربي،الطبعة الأولى ،1985.
أسامة الغزالي حرب الأحزاب السياسية في العالم الثالث مجلة عالم المعرفة العدد 117.
بيير رينوفان وجان باتیست دوروزيل: مدخل إلى تاريخ العلاقات الدولية،منشورات عويدات، بیروت باريس، الطبعة الثانية، 1982.

الكتب بالفرنسية:

✓ M. Merle, sociologie des relations internationale 3 ème édition, Dallaz, 1982.

: الأطروحات والرسائل الجامعية:

سعيد الصديقي، صنع السياسة الخارجية المغربية، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وجدة، . 2002
خديجة العمراني: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية السياسة الخارجية القضايا العربية نموذجا، بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، 1999-2000.
هند بطلموس: الفاعلون الجلد في السياسة الخارجية المغربية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام، كلة العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الخامس، أكدال، الرباط، 2005
.2006

الصديق نخلي، متغيرات السياسة الخارجية المغربية وصناعة القرار، دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة، 1999-2000.
المواقع الالكترونية:

www.cnniraq.net

www.aawsat.com

المقالات:

جعفر بنموسى: مقال “حول الأداء الدبلوماسي المغربي، منشورات وجهة نظر حالة المغرب، 2009-2010.
الدبلوماسية الحزبية

Leave a Reply

Discover more from السياسية

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading